البرلمان القادم.. هل يعوض ما فات؟!
■ انتهت مراحل الانتخابات البرلمانية فى أدق الظروف، سواء انتخابات مجلس الشيوخ أو مجلس النواب، وأُعلنت أخيرًا نتائج مجلس النواب فى جولة الإعادة للمرحلة الأخيرة يوم الإثنين الماضى، وبات المجلس الجديد على أهبة الاستعداد للانعقاد اعتبارًا من اليوم التالى لانتهاء مدة مجلس النواب الحالى فى 9 يناير القادم، وقد انقضت خمس سنوات بالتمام والكمال على أول جلسة لانعقاده، وأصدر المجلس يوم الثلاثاء الماضى 15 /12 «قراره بفض دور الانعقاد الأخير بالفصل التشريعى»، وينتظر مجلس النواب الجديد دعوة الرئيس لانعقاده، تمهيدًا لتحمل مسؤولياته ومهامه اعتبارًا من العاشر من يناير القادم!!.
■ وخلال السنوات الخمس الماضية- وهى عمر مجلس النواب السابق- اجتاز المجلس مرحلة انتقالية صعبة، وافق على كم هائل من التشريعات التى صدرت خلال فترة غيابه، كما بلغ عدد أعضاء المجلس نحو «ستمائة عضو»، ولأول مرة، وهو عدد هائل، مع قلة خبرة معظمهم، وتقول لنا السوابق إنه كلما زاد عدد الأعضاء قَلّت فرص المناقشة، وكلما قَلّت المناقشة ضعفت الفائدة، ولهذا مرّ المجلس بمواقف ومطبات كبيرة تتطلع إلى تصحيح أو تصويب من المجلس القادم، علّ وعسى أن يتداركها لتعوضنا عما فات!!.
■ ولقد زفت إلينا وسائل الإعلام والصحافة البُشرى بأن المجلس القادم قد أنهى حالة احتكار الحزب الواحد، وأنه قد جمع عددًا كبيرًا من الأحزاب والمستقلين، أغلبية ومعارضة، وأن خمسة أحزاب منها سوف تشكل هيئات برلمانية لأنها حصلت على عشرة مقاعد، وأنه قد شهد تنوعًا فريدًا من الخبرات والثقافات تمثل طبقات المجتمع، وعددًا أكبر من الشباب والنساء وذوى الاحتياجات، وأن وجود الغرفة الثانية «مجلس الشيوخ» سوف يثرى الحياة السياسية والبرلمانية المصرية بتعاون غير مسبوق، وأن دور البرلمان القادم سوف يحقق الآمال والطموحات العريضة التى ينتظرها الشعب المصرى!!.
■ وإذا كانت هذه البشرى من باب تحفيز المجلس القادم على أداء مسؤولياته باقتدار، أو تشجيعًا له إيذانًا بالاستعداد والعمل على تحقيق الآمال، فهى بُشرى مقبولة وفألٌ حسنٌ.. لكن ما نيل المطالب بالتمنى، إنما تؤخذ الدنيا غلابا.. وتأتى الغلبة بالعمل والعلم والقوة، لأن العبرة ليست بالأمانى، وإنما بنتائج الأعمال ومآلات الأفعال، ولهذا فإن الشعب كله- وهو صاحب السيادة ومصدر كل السلطات- يتطلع إلى أداء المجلس القادم بكاملة، أغلبية ومعارضة ومستقلين، وينتظر منهم جميعًا الكثير، وأن يعوضنا المجلس عما فات!!.
■ ومن المفيد أن نذكر بعض ما فات، أو الفرص الضائعة.. من ذلك مثلًا علانية الجلسات، فالمادة 120 من الدستور تنص صراحة على أن تكون جلسات مجلس النواب «علنية»، واستثناءً أن تكون سرية بشروط وأوصاف، وتؤكد السوابق البرلمانية أن علانية الجلسات أمر حتمى، وأن الحكمة واضحة جلية ليكون الشعب على بيّنة من أداء نوابه ووكلائه، ويحرص النواب أنفسهم على أداء مهامهم بكفاءة ومسؤولية، ومع ذلك ظل المجلس الفائت طيلة مدته فى جلسات غير علنية، وهى علانية تمامًا كعلانية جلسات المحاكمة، لأن الأحكام كما تصدر باسم الشعب فإن مجلس النواب يمارس مسؤوليته باسم الشعب.. لهذا فإن العلانية تعنى مشاهدة الجلسات، وكأن المشاهد لها قد حضرها بنفسه وعرف ما فيها، ما لها وما عليها، ولهذا لا يكفى للعلانية النشر عنها باختصار، أو وصف ما دار لبعض المشاهد، لأن هذا الاجتزاء تعبيرٌ شخصى لمن يكتب لا يعبر عن علانية الجلسات!!.. فهل نرى ونشاهد جلسات المجلس القادم علنًا أم ماذا؟!.
■ كذلك مما فات، إهمال قاعدة تفرغ النواب لمهام العضوية، بنص المادة 103 من الدستور، والتى كشفت عن معناها مناقشات الجمعية التأسيسية بأن يكون التفرغ مطلقًا، لا يقبل استثناءً، حتى لا ينشغل العضو بعمل أو وظيفة أخرى تلهيه عن مسؤولياته وواجباته، وعن شرف تمثيل الأمة كلها، ولا يقتصر على تمثيل دائرته فقط، وهى أقدم قاعدة دستورية قررتها الدساتير المصرية منذ عام 1882 بالمادة السادسة قبل أن تعرفها الدول المتقدمة، ولقد تجاهل المجلس السابق قاعدة التفرغ، رغم أن القواعد الأصولية توجب إعمال النص خير من إهماله!!.. فهل سيعوضنا المجلس القادم عما فات ويلتزم ويراقب قاعدة تفرغ النواب مطلقًا، أم ماذا؟!.
■ كذلك أهمل المجلس السابق نص المادة 107 من الدستور، التى جاءت بعد كفاح طويل، حتى لا يفصل المجلس فى صحة عضوية أعضائه بنفسه لنفسه، فأتى النص الجديد ليعهد لمحكمة النقض بالفصل فى صحة العضوية، وأن بطلان العضوية من تاريخ إبلاغ المجلس بحكم النقض.. فأسدل الستار على مذبحة القبة، التى كانت تجاهر بإهدار تحقيقات محكمة النقض. ومع ذلك النص الدستورى رأينا المجلس السابق يهمل النص، واستمرت المخالفة كامل مدته يتجدد فيها البطلان كل يوم.. فهل يعوضنا المجلس القادم عما فات ويلتزم بتطبيق أحكام النقض بالفصل فى صحة أو بطلان عضوية أعضائه أم ماذا؟!.
■ كذلك كانت القضية الكبرى عند مخالفة المادة 113 من الدستور، برفض المجلس طلبات رفع الحصانة عن بعض الأعضاء، ومنها طلبات النيابة العامة، رغم أنها أمينة على الدعوى العمومية وعلى المجتمع بأسره، وهى شُعبة من شعب القضاء، وقد رُفع فى وجهها سيف الكيدية وهى منه براء، إذ لا يتصور أن تأتى الكيدية من جانب النيابة العامة أو حتى بناء على طلبها ضد أىٍّ من أعضاء المجلس، فوقعت الواقعة بمخالفة الدستور، وحكمة الحصانة والسوابق البرلمانية فى حياة البرلمان «مجلس الشيوخ ومجلس النواب».. فهل نرى المجلس القادم محايدًا ومنصفًا ومدافعًا عن كرامة المجلس وكرامة أعضائه بالحق والعدل، وأن يرفض حماية أعضائه الذين لا يحافظون على كرامتهم أو كرامة المجلس برفع الحصانة عنهم متى طلبتها النيابة، لأن المجلس ليس سلطة تحقيق ولا سلطة محاكمة؟!.
■ كذلك، هل يصحح المجلس الجديد ذلك الخطأ الذى وقع فيه المجلس السابق عندما قرر ميزة لأعضائه بإعفاء مكافأتهم من الضرائب، على الرغم من خلو الدستور أو قانون مجلس النواب من نص بالإعفاء، كما أن قانون الضرائب العامة على الدخل لم يستثنِ مكافأة أعضاء مجلس النواب من الخضوع لضريبة الدخل، وقد أتى الإعفاء ليقرر ميزة لأعضائه باللائحة، حال كونها مخصصة لنظام العمل وكيفية ممارسة الاختصاصات والمحافظة على النظام داخل المجلس بالمادة 118 من الدستور.. فمن أين أتى الاختصاص والترخيص للائحة بتقرير الإعفاء الضريبى؟!.. فهل نرى المجلس يعيد النظر بالمادة 428 باللائحة وإلغاء ما قررته من إعفاء وتصويب الخطأ بمناسبة مناقشة لائحة مجلس الشيوخ التى جرت على سنة الإعفاء بلائحة المجلس، عندئذ يبادر المجلس الجديد بتقديم القدوة فى احترام القسم باحترام الدستور والقانون وما تضمنه من قواعد وأحكام للنظام الضريبى وكذلك قواعد المساواة والعدالة بين الناس أم ماذا؟!.
■ كذلك فإن بعض التشريعات قد فاتت على المجلس السابق، وكان عليه بنص الدستور أن يناقشها وإصدارها لأهميتها، مثل قانون تنظيم ندب القضاة وأعضاء الهيئات القضائية لغير الجهات القضائية خلال مدة لا تجاوز خمس سنوات، وقد انقضت المدة ولم يصدر القانون.. كذلك لم يصدر قانون العدالة الانتقالية التى تكفل كشف الحقيقة وتعويض الضحايا وفقا للمعايير الدولية.. كذلك لم يصدر المجلس الفائت تعديلًا لقانون الإيجارات بعد أن قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص فيه منذ 13 مايو 2018، وحددت مهلة لسريان حكمها خلال دورة تشريعية قادمة 2018 - 2019 توفيقًا لأوضاع المستأجرين من الأشخاص الاعتبارية بانتهاء دور الانعقاد التشريعى السنوى، لاتصال النص بنشاط الأشخاص الاعتبارية وتأثير أدائها ودورها فى خدمة المجتمع، وقد انقضى المجلس وانتهت مدته ولم يصدر التشريع، فهل سيبادر المجلس القادم بإصداره وتعويض ما فات أم ماذا؟!.
■ كذلك، لم يباشر المجلس من أدوات الرقابة طيلة مدته سوى استجواب وحيد بشأن الصحة، انتقل المجلس بعدها إلى جدول الأعمال مرحبًا بالحكومة ومشيدًا بمجهودها.. فهل نرى مشاركات جادة ومناقشات مسؤولة ورقابة فاعلة فى حياة المجلس القادم تعويضًا عما فات أم ماذا؟!.
نقلا عن "المصري اليوم"