شيخ الأزهر يتحدث عن وجود مصطلح أهل الذمة حاليا.. اعرف التفاصيل
أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد
الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أنه لا محل ولا مجال أن يُطلق على المسيحيين الآن أنهم
أهل ذمة، مجدداً التأكيد على أنهم مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات، معتبراً
أن مفهوم أهل الذمة مثله مثل الجزية، "كان لهما سياق تاريخي وانتهى"،
وذكر أن النبى، صلى الله عليه وسلم، وضع أول دستورٍ نُفاخر به العالم عندما قامت
دولة الإسلام فى المدينة المنورة على مبدأ المواطنة، ونصَّ فيه على أن سكان
المدينة أمة واحدة، متضمنةً يهود بنى عوف.
ويُعارض الإمام الطيب مصطلح الأقليات،
مؤكداً أنه لا يُعبِّر عن روح الإسلام ولا عن فلسفته، وأن مصطلح المواطنة هو
التعبير الأنسب، والعاصم الأكبر والوحيد لاستقرار المجتمعات، وأوضح أن المواطنة
معناها المساواة فى الحقوق والواجبات بين المواطنين جميعاً، بخلاف مصطلح الأقليات
الذى يحمل انطباعات سلبية تبعث على الشعور بالإقصاء، وتضع حواجز نفسية تتداعى
وتتراكم فى نفس المواطن الذي يُطلق عليه أنه مواطن من الأقليات.
وأشار بحسب جريدة صوت الأزهر الناطقة
باسم الأزهر، إلى أن دولة الإسلام قامت فى المدينة المنورة، وكان يرأسها النبى،
صلى الله عليه وسلم، على مبدأ المواطنة، وكان فيها يهودٌ ومشركون بجانب أكثرية
مسلمة، وحين ذهب النبى الكريم إلى المدينة ،وتكوَّنت الدولة، وضع دستور المدينة أو
وثيقة المدينة؛ وهو أول دستور نُفاخر به العالم كله بل والتاريخ، ونصَّ فيه على أن
سكان المدينة أمة واحدة، كما جاء فيه: "وَإِنّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمّةٌ
مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ"،
وهذه مواطنة كاملة فى الحقوق والواجبات تقوم على أساس الأرض، وعلى أساس الدولة
والبقعة التى يعيش عليها الناس، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين.
ونبِّه شيخ الأزهر إلى أن المواطنة لا
تتوقف عند اختلاف دين أو اختلاف مذهب، فالكل متساوون فى الحقوق والواجبات، والجميع
سواسية أمام القانون فى الدولة، وعلى الجميع أن يدافعوا عن هذا الوطن، ويتحمَّلوا
المسئولية الكاملة.
مشددا على أن مصطلح أهل الذمة لم يعد
مستعملاً، وأن الأزهر لا يقوله ولا يصف به شركاء الوطن بحالٍ من الأحوال، باعتباره
أصبح الآن مصطلحاً غير مستساغٍ، مع أنه كان فى ذلك الوقت مفخرةً للدولة الإسلامية؛
لأنها أول حضارةٍ تحفظ حقوق غير المسلمين، وتؤكد المساواة التامة بين المواطنين من
خلال الصيغة التعاقدية بين غير المسلمين وبين الدولة الإسلامية، موضحاً أنه لا يجب
ألا يُنتزع هذا المصطلح من محيطه التاريخى ويُحاكم بانطباعات الناس، ولذلك فإن
الكارهين للتراث بسببٍ أو بآخرٍ، الذين يأتون بفتوى قِيلت فى وقت عصيب؛ ليقولوا
هذا هو الإسلام وفقهه وتراثه، والمتشددين الذين يستوردون حكماً كان يُواجه التتار
أو الصليبيين فى بلاد الإسلام؛ ليُطبقه الآن على غير المسلمين -كلاهما كاذبٌ؛ لأن
الإسلام غير ذلك تماماً.
ويوضح الإمام أن الفترة التى ساد فيها
مصطلح أهل الذمة، قال عنها الغربيون: إن غير المسلمين نعموا بحقوق وبمساواة لم
ينعموا بها مع إخوتهم فى دينهم فى الحضارات الغربية، التى كانت تُفرِّق بين أهل
البلد وبين الغريب عنه، وبين مَن يَدين بدِين الدولة ومَن يَدين بغيره، بل إما أن
يدخل فى دين الدولة، وإما أن يُهاجر، وإما أن يُقتل.
ويُشير إلى أنه حينما تفتتت الدول
الإسلامية ولم تعد هناك خلافة إسلامية تُلزم الشعب بتطبيق فلسفة الإسلام، لم يعد
هناك وجود لمصطلح أهل ذمة؛ لوجود أنظمة حديثة تماماً، وليس هذا المصطلح كما يُشاع
علامة اضطهاد؛ لأنه كان فى زمنه يضمن كل الحقوق لغير المسلم، ويرفع عنه حق الدفاع
عن الدولة، وهذا ليس إقصاءً لهم بقدر ما هو احترامٌ لدينهم ولعقيدتهم، لافتاً إلى
أن الجزية فُرضت على غير المسلم كما فرضت الزكاة على المسلم، بل كانت الجزية أقل
تكلفةً من أنصبة الزكاة، بل غير المسلم كان يستفيد من الجزية بأكثر مما يستفيد به
المسلم من الزكاة، والجزية تعفى غير المسلم من الدفاع عن الدولة، لكن الزكاة لم
تُعْفِ المسلم من الدفاع عن الدولة بما فيها من غير المسلمين بروحه وبدمه.