لماذا لا نوقف استيراد التكاتك؟
فى السابعة والربع من صباح الثلاثاء الماضى «١٤ سبتمبر»، كنت فى طريقى من وسط البلد إلى العاصمة الإدارية، لحضور إطلاق تقرير التنمية البشرية، بدعوة كريمة من وزارة التخطيط وبحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى.
عند مطلع الطريق الدائرى فى «أثر النبى» قرب دار السلام، فوجئنا بتوك توك يأتى من الاتجاه العكسى، من الطريق الدائرى هابطا إلى الطريق المؤدى لدار السلام.
سائق التوك توك يسير بهدوء منقطع النظير وطمأنينة وسكينة ملفتة للنظر، رغم وجود عسكرى مرور وأمين شرطة فى مطلع الكوبرى المؤدى للطريق.
بعد أقل من ٢٤ ساعة وفى شارع منصور وأمام ضريح سعد زغلول، ومقر مصلحة الضرائب العقارية، كان هناك طفل لا يزيد عمره عن ثمانى أو تسع سنوات على أقصى تقدير، يقود توك توك عكس اتجاه السير أيضا، فى منطقة يفترض أنها مهمة حيث يتواجد بها مجلسا الشيوخ والنواب ومجلس الوزراء، وعلى بعد أمتار من وزارتى العدل والإنتاج الحربى، إضافة للعديد من الوزارات الأخرى مثل التعليم والإسكان.
هذان المشهدان رأيتهما بعينى فى أقل من ٢٤ ساعة. هذا الموضوع لم يعد يثير الدهشة والاستغراب، لأنه صار يتكرر بصورة روتينية، ليس كل يوم، بل كل لحظة تقريبا.
ليس جديدا أن أكتب أنا أو غيرى عن هذا الموضوع، لكن المثير للدهشة هى الجرأة التى صار يتعامل بها أصحاب وسائقو التكاتك فى الشوارع والميادين.
قبل شهور طويلة سمعنا أكثر من خطة ومبادرة من وزارة التنمية المحلية، لتقنين وضع التكاتك أو «استبدالها بسيارات «الفان»، أو قصر سيرها فى المناطق البعيدة والنائية، أو التى لا تصلها المواصلات العامة أو حتى الخاصة.
لكن لم يتم ترجمة أى من هذا الكلام على أرض الواقع، للدرجة التى تجعل المرء يحتار فى سر ترك ملف التكاتك يتعملق ويتوحش بهذه الطريقة، التى قد تقود إلى آثار اجتماعية وسياسية واقتصادية وأمنية خطيرة.
وإلى أن تتخذ وزارة التنمية المحلية أو من أى من الجهات المختصة وذات الصلة، على الأقل الإجراءات التنفيذية لمحاصرة آثار التكاتك، أقترح على الوزارة والجهات المختصة أن يكون هناك تحرك سريع وفورى فى عدة محاور، منها على سبيل المثال:
الأول: أن يتم وقف استيراد أو تصنيع التكاتك بأى شكل من الأشكال، حتى لا تزيد المشكلة تفاقما.
الثانى: أن يتم البدء فى حصر شامل للتكاتك، عددها ومن يملكها ووجودها فى كل محافظة أو مدينة أو حى.
الثالث: من هم الملاك الفعليون لهذه التكاتك؟ هل هم الأطفال والشباب الذين يقودونها فعلا، أم هناك لوبيات، من مصلحتها استمرار هذه الظاهرة المدمرة؟!
نعلم أن موضوع التكاتك صار معقدا ومتشعبا لأن عدد العاملين فيها كبير جدا، ولا يمكن إلغاؤها مرة واحدة، حتى يتم إيجاد وسائل أخرى بديلة لها، بحيث يجد سائقوها وظائف بديلة، بدلا من تحولهم إلى وقود لتوترات اجتماعية وأمنية متنوعة، إذا وجدوا أنفسهم عاطلين فجأة.
يمكن للحكومة أن تضع خطة طويلة الأجل لمعالجة هذه المشكلة.. المهم أن يكون هناك تحرك، حتى لا نصل إلى وضع يصبح فيه علاج هذه الظاهرة ميئوسا منه تماما.
مرة أخرى مشكلة التكاتك لا تتعلق فقط بالفوضى المرورية والزحام، بل لها أبعاد متنوعة من أول القضاء على صنايعية المستقبل، مرورا بزيادة حجم وانتشار المخدرات، نهاية بنشر ثقافة التفاهة والانحطاط والبذاءة فى الشارع المصرى، بما يقضى على ما تبقى من قيم أصلية وأصيلة فى الشارع المصرى.
لا أهاجم سائقى التكاتك أو أتنمر عليهم، وظنى أن معظمهم ضحية لسياسات خاطئة منذ السماح باستيراد هذه المركبات الكئيبة، لكن أنتقد بشدة ترك هذه الظاهرة تتفاقم، من دون الوعى بخطرها الأمنى والاجتماعى على المستقبل بأكمله.
نقلا عن "الشروق"