رئيس التحرير
خالد مهران

ضحية جديدة بعد بسنت..

«القتل المعنوي».. جريمة «مع سبق الإصرار والترصد» يغفلها القانون

القتل المعنوي
القتل المعنوي

 «أرواح الناس مش لعبة»، لطالما استحضر المصريون تلك الكلمات على ألسنتهم، كلما أُزهقت أرواح أشخاص دون الشعور بأدنى مسؤولية من الجاني، اختيار تلك الكلمات يعبر عن مدى سمو قيمة الروح البشرية، لا سيما وأن الله تعالى حرم قتل النفس البشرية –إلا بالحق- والقتل لا ينحصر فقط على القتل المادي –حسب كُتب القانون- وإن كان أكثر صورها وضوحًا، إلا أن القتل المعنوي أشَدَّ حقارة، خصوصًا وأن القاتل يستخدم أساليب وصفها الكثير من القانويين بالدنيئة، بل تستجوب عقوبات صارمة.

«القتل المعنوي»، لم يكن مجرد مصطلح ورد في كُتب القانون، إلا أنه أُثير في أذهان السواد الأعظم من المصريين مؤخرًا، بعد واقعة انتحار الطالبة بسنت خالد (17 عام من الغربية)، إثر ابتزازها إلكترونيًا بصور ومقاطع فيديو فاضحة مزيفة وتعرضها لضغوط نفسية فجّة، المؤسف أن مُعلمها كان من بين ممن مارسوا ضغطًا نفسيًا عليها، بعد تنمره عليها«معايرتها»، بالواقعة، فقررت إنهاء حياتها –حسب والدها-

وبات التخلص من الحياة أسلوب يعتمده كل من يتعرض إلى الابتزاز والضغوط المعنوية والنفسية، واليوم رحلت هايدي شحتة ابنة الـ14 عامًا، ضحية جديدة على طريقة بسنت خالد، قررت الهروب مما تتعرض له من عملية قتل بدم بارد من خلال ابتزازها بصور فاضحة مزيفة، ولم تجد سبيل سوى  «حبة الغلة» للخلاص، مقتل هايدي أعاد الحديث حول القتل المعنوي وماذا يُعني؟ وهل يعاقب القانون على تلك الجريمة؟ وهل سَنّ تشريع لمعاقبة مُقترف جريمة القتل المعنوي أمر دستوريًا؟

الضحية الجديدة هايدي شحتة

بقيتي تريند

6 يناير الجاري، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على المُعلم الذي تنمر على بسنت وكان أحد أسباب انتحارها –حسب وصف أختها- والتي ذكرت أنه «عاير» شقيقتها أمام زميلاتها قائلًا: " بقيتى ترند رقم واحد يا بسنت أكتر من أُغنية شيماء"، ما ترتب عليه تخلص المجني عليها من حياتها بتناول حبوب حفظ الغلال السامة فور عودتها من الدرس إلى منزلها، ولفظت أنفاسها الأخيرة بعد فشل محاولات إنقاذها.

بسنت ابنة قرية "كفر يعقوب" التابعة لمركز كفر الزيات بالغربية، لم تكن ضحية الابتزاز الإلكتروني وحسب، بل كانت ضحية  كل من وجه إليها كلمة تحقيرًا منها وتسبب في انتحارها، لا سيما وأنها تعرضت لضغوط نفسية فجَّة من قبل المبتزين، والمعلم وبعض زملائها وأهل قريتها، ووفقًا لتعريف «القتل المعنوي» في كُتب القانون فجميع أولئك مشاركين في جريمة مقتلها.

 

إزهاق الروح

"إزهاق الروح دون المساس بجسم المجني عليه إنما يتم القتل بإحداث انفعالات للمجني عليه من شأنها أن تؤدي إلى وفاته"، هكذا عرف المُستشار مصطفى مجدي هرجة، القتل المعنوي.

وتعددت تعريفات «القتل المعنوي»، ولعل أقرب تعريف ينطبق على ما حدث مع المجني عليها بسنت خالد، ما ذكره عضو الرابطة الإسلامية ببريطانيا، بأنه "وسيلة لدفع الاشخاص والهيئات إلى الإحباط والاكتئاب والعزلة الجمود"، وذلك عن طريق التضليل وإعطاء صورة سلبية مكذوبة أو رسم صورة بشعة بخلاف الحقيقة، وربما يحدث ذلك عن طريق تحري الصدق، ومن خلاله تُكشف الحقائق ويتم إبراز الصورة السلبية الحقيقية للشخص، كونه ظالم أو فاسد أو مستبد أو مرتشي أو غير ذلك من النواقص الأخلاقية.

ويتفق الجميع من أهل الاختصاص أن «القتل المعنوي»، أشد من القتل المادي، لا سيما وأنه من الصعب إقناع الناس بالصورة الحقيقية للمجني عليهم "المقتولين معنويًا"، بل قد يصعُب على المقتول معنويًا أن يقتنع بصورته الحقيقية السليمة ويصبح أسير الصورة المشوهة، وهذه أبشع صورة ونتيجة للقتل المعنوي، لأنها تؤدي في معظم الأحيان إلى تخلصه من حياته.

بسنت خالد ضحية الابتزاز والتنمر

أمثلة القتل المعنوي

وكما تعددت تعريفات القتل المعنوي، تعددت أمثلته أيضًا والتي لطالما فندها «هرجة»، في العديد من كُتبه، وأشارت إليها، أستاذة القانون الجنائي بجامعة الإسكندرية وعضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، الدكتورة آيات الحداد، في إحدى مقالاتها المنشورة بتاريخ 12 مارس 2020، وتمثلت صور القتل بالوسائل المعنوية في، (ترويع طفل صغير مريض بالأعصاب بطريقة متتابعة ومتصاعدة حتى ينهار ويموت-  شتم وإهانة شخص مريض يتأثر بالانفعالات- إشهار سلاح في وجه آخر والتهديد بقتله فيموت المجني عليه فزعًا- إلقاء أفعى ميتة على شخص نائم- الصيحة على شخص يقف على حافة عالية فيسقط- أساليب الضغط النفسي من تعذيب وقهر متلاحق كحرمان شخص من أحبائه أو تجريده من أملاكه- حمل نبأ مزعج إلى شخص مريض بالقلب بطريقة وظروف ويوقعه فيها بنوبة قلبية تنتهي بوفاته).

كل هذه الأفعال من وجهة نظر «هرجة» وغيره من أهل القانون تندرج تحت بند القتل، سواء أكانت مقصودة أو غير مقصودة حسب نية الفاعل، في حالة أدت إلى مقتل المجني عليه.

 

القتل بالتلفظ

ويجاري مقترف جريمة «القتل المعنوي» وسائل الحداثة، فتجده يستحدث وسائل قتل معنوية بعيدة عن المتاحة في العالم الافتراضي -سالفة الذكر- على تلك الوسائل مواقع التواصل الاجتماعي أو برامج تزييف «فبركة» الصور والفيديوهات، لينتقل القاتل المعنوي بمسرح الجريمة إلى العالم الافتراضي، وفي هذه الحالة يصعُب إثبات الجريمة، لا سيما وأن القانون في الغالب لا يستطيع الكشف العلاقة السببية ما بين الفعل والنتيجة، وفي حالة قطع فعل ما العلاقة السببية تنتفي العلاقة.

غالبًا ما يتم القتل بالتلفظ بكلمات أو بالقيام بحركات تؤثر على نفسية المجني عليه وأعصابه، مثل التخويف أو التهديد أو نقل الأخبار المزعجة أو الضغط النفسي أو تركيب فيديوهات إباحية، قد لا تمس المقتول معنويًا وحسب، بل تمس أسرته، وفي السواد الأعظم من الحالات ينصَّب أثر الفعل المعنوي القاتل على جسم المجني عليه الداخلي وأعضائه الداخلية، مما يقوده إلى الوفاة أو التخلص من حياته، -حسب آيات الحداد- ولهذا نجد أن مقتل بسنت خالد معنويًا، اعتمد على أكثر من وسيلة من تلك الوسائل بدءًا من تزييف الفديوهات الإباحية لها مرورًا بالضغط النفسي من أهل قريتها وزملائها وانتهاءً بتوجيه مُعلمها كلمات تمتهن منها إليها.

 

أنواع القتل.. العمدي

بشاعة «القتل المعنوي» لم تكن مُبررًا أن يعتبرها القانون جريمة يُعاقب عليها، وقسم القانون المصري القتل إلى ثلاثة أنواع (القتل العمد- القتل شبه العمد- القتل الخطأ)، وحدد قانون العقوبات المصري عقوبة مناسبة لكلًا من جرائم القتل الثلاثة، وتنص المادة 234 من قانون العقوبات في فقرتها الأولى على عقوبة القتل العمدي، وهي السجن المؤبد أو المُشدد، على أن يحق للقاضي في حالة الحُكم بالسجن المُشدد أن تترواح العقوبة بين حديها الأدنى والأقصى، بل مخوّل له الهبوط بالعقوبة إلى السجن أو الحبس بما لا يقل عن 6 أشهر، وفقًا للمادة 17 من قانون العُقوبات، في حالة اقتضت أحوال الجريمة رأفة بالمُتهم.

لم يكتفِ قانون العقوبات بتحديد عقوبة للقتل العمدي وحسب، إلا أنه نص على عقوبة القتل العمدي المُشدد، والذي يتطلب وفقًا لنص القانون توافر محل الجريمة والركنين المادي والمعنوي، فضلًا عن توافر ظرف من الظروف الواردة في المواد من 230 إلى 234 و251 مُكرر من قانون العُقوبات.

الحُكم بالإعدام في جرائم القتل يعتمد على عدة أسباب، ووفقًا للقانون أسباب تشديد العقوبة تتوقف على أنواع عدة، وهي:

- التشديد الذي يرجع إلى نفسية أو قصد الجاني كسبق الإصرار (المادة 230 من قانون العقوبات).

- التشديد الذي يتعلق بوسيلة أو كيفية ارتكاب الجريمة كالقتل بالسم (المادة 233 عقوبات) أو الترصد (المادة 230 عقوبات).

- التشديد الذي يقوم على اقتران القتل العمد بجناية (المادة 234/2 ع).

- التشديد الذي ينهض على ارتباط جناية القتل بجناية أو بجنحة أخرى.

 

القتل شبه العمدي

ويُعرف القتل شبه العمد، بأنه "يكون يقصد ضرب المجني عليه عدوانًا بما لا يقتل غالبًا، كالعصا أو السوط، أو تعمُد شخص ضرب آخر بما ليس سلاح ولا يجري مجرى السلاح"، وذهب البعض إلى أنه في هذه الحالة من الممكن محاكمة المتسببين في مقتل الطالبة بسنت خالد بتهمة القتل شبه العمد، وفقًا لتعريفه، ما دام القانون لم يُشرع عقوبة للقتل المعنوي.

ويتوقف توقيع العقوبة على القاتل شبه العمدي على أسرة القتيل وفقًا للقانون، الذي اشترط معاقبة الجاني بالحبس مدة لا تزيد عن 3 سنوات، في حالة عدم قبول أسرة القتيل الديّة.

 

القتل الخطأ

بينما حددت المادة 238 من قانون العقوبات، عقوبة جريمة القتل الخطأ، ونصت على "من تسبب خطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئًا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه  أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين".

ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد، ولكن نصت المادة ذاتها أيضًا على أن "تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالًا جسميا بما تقرضه عليه أصول وظيفته أومهنته أو حرفته أو كان مُتعاطيًا مُسكرًا أو مُخدرًا عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك".

وبحسب المادة 238 عقوبات، "تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف أخر من الظروف والواردة فى الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين".

جرائم القتل الثلاثة المنصوص عليها في قانون العقوبات، اعتمدت على الوسائل المادية، ولكن حسب القانون يحق للمحكمة أن تُعاقب المُتهم على استخدامه لأي وسيلة لم ترد في قرار الاتهام والإحالة من النيابة، وهذا لا يخالف قادة تقيد المحكمة بقرار الاتهام، لأن التقيد مُقتصر على الوقائع، لا سيما وأن المحكمة لا تملك إضافة واقعة جديدة لم ترد بقرار الاتهام والإحالة، وبناءً عليه فإن نوع الوسيلة المُستخدمة لا يندرج تحت باب الوقائع.

الدكتورة آيات الحداد

اختلفت الآراء

ورغم أن المادة 234 من قانون العقوبات استخدمت صيغة عامة لتوصيف جريمة القتل وإزهاق النفس، ونصت على "من قتل نفسا عمدًا من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد"، إلا أن بعض الفقهاء القانونين أنكروا أن يُسأل شخص عن جريمة قتل في حالة روى خبرًا مُفجعًا لشخص مريض يُمكن أن يقضي عليه هذا الخبر، وبالقياس على ما حدث لبسنت خالد أيضًا تكون النتيجة واحدة لأصحاب هذا الرأي، وذلك لاستنادهم على أن القتل هو إزهاق للحياق عن طريق المساس بالجسم، ولكن في هذه الحالة الجاني وصل إلى نفس المقتول معنويًا دون المساس بجسمه.

واستنادًا إلى المادة 234 ذاتها، يعتمد أصحاب الرأي المضاد لمُنكري القتل بالوسائل المعنوية، في المساواة بين الوسائل المادية والمعنوية في وقوع جريمة القتل، لا سيما وأن نص المادة لم يُحدد الوسيلة "من قتل نفسًا عمدًا"، وعليه فإن المُشرع ساوى بين استخدام الوسائل المعنوية والمادية في وقوع جريمة القتل.

وتظل هناك صعوبة في إثبات علاقة السببية بين جريمة القتل المعنوي والفعل المعنوي الذي قام به المُتهم أدى بالمقتول معنويًا إلى التخلص من حياته.

 

قوانين بالمرصاد

عدم وجود تشريع بشأن جريمة القتل المعنوي، في القانون المصري، لا يُعني أن مُقترف تلك الجريمة –حسب توصيف قانونيين- سيفلت من العقوبة، ويمكن مُعاقبته بقوانين أخرى حسب طبيعة الجريمة التي اقترفها، وبالقياس على واقعة مقتل بسنت خالد، فنجد أكثر من طرف كان سببًا رئيسيًا في مقتلها، الطرف الأول الشباب الذين قاموا بتزييف «فبركة» مقاطع الفيديو الإباحية التي أدت إلى تخلصها من حياتها، حسب القانون المصري ينتظر الشباب الـ8 الذين تم القبض عليهم بتهمة الابتزاز الإلكتروني والتهديد وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، قد تصل إلى 3 سنوات.

وبحسب المادة 327 من قانون العقوبات، "أن كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بالقتل أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور تخدش الشرف يعاقب بالسجن، وتنخفض إلى الحبس إذا لم يكن التهديد مصحوبا بطلب مادي"، فضلًا عن أن تهديد شخص لآخر بجريمة ضد النفس تصل عقوبتها إلى السجن، مدة لا تتجاوز 3 سنوات، إذا لم يكن التهديد مصحوبًا بطلب أموال، وفي حالة كان مصحوبًا بطلب مال فقد تصل العقوبة للحبس 7سنوات.

أما المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، حددت عقوبة كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصرى، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكترونى لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، تتمثل في الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيهًا ولا تزيد عن 100 ألف جنيهًا أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ورغم أن الكثيرون يرون الشباب الذين قاموا بالاشتراك في فبركة الفيديوهات لبسنت، سبب رئيسي في قتلها مثلهم مثل المُعلم الذي تنمر عليها، إلا الأمنية المُختصة لا يُمكنها توجيه اتهام القتل إليهم، رغم استدعاء النيابة للمعلم والتحقيق معه، ولكن لا يوجد أي قانون ينص على أن «القتل المعنوي» جريمة تستوجب العقاب.

المحامي مايكل رؤوف

جريمة أخرى

ولكن من حُسن حظ بسنت أنه يُمكن محاكمة مدرس الكيمياء، -المستقيل المتفرغ للدروس الخصوصية- حسبما كشفت تحقيقات النيابة، بتهمة التنمر، وفقًا لمادة التنمر برقم (309 مكرر ب) التي تم إضافتها لقانون العقوبات بالقانون رقم 58 لسنة 1937.

التعديل الذي أقره البرلمان في 24 أغسطس 2020، جاء في ظل حملة قومية أطلقتها الحكومة المصرية مع صندوق الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسيف) وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد حصر المنظمة الدولية نسبة الأطفال المصريين المتعرضون إلى التنمر، والتي بلغت 70%  تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عامًا قد تعرضوا للتنمر.

"التنمر هو كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني أو استغلال ضعف المجني عليه، أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه، الجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويف المجني عليه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي"، وفقًا لقانون المصري 189 لسنة 2020، بتاريخ 24 أغسطس 2020 بعد الموافقة النهائية من البرلمان، بعد توجيه رئيس الجكهورية عبدالفتاح السيسي.

وبحسب التعديل الجديد، وصلت عقوبة التنمر إلى الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 30 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وتنص المادة على تشديد عقوبة التنمر، إذا توافر أحد ظرفين، أحدهما وقوع الجريمة من شخصين أو أكثر، والآخر إذا كان الفاعل من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه، أو كان مسلمًا إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادمًا لدى الجاني؛ لتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. مع مضاعفة الحد الأدنى للعقوبة حال اجتماع الظرفين، وفي حالة العودة تضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى.

 

قوانين قاصرة

"للأسف الإيذاء النفسي أو الضغوط النفسية على الآخرين لا تُشكل جريمة في القانون المصري"، بهذه الكلمات بدأ المحامي مايكل رؤوف من مركز النديم لتأهيل ضحايا العُنف والتعذيب، حديثه مع «النبأ الوطني».

يحق للشخص الذي تعرض لإيذاء نفسي المُطالبة بالتعويض في حالة لم يتخلص من حياته واستطاع إثباته، أو استطاعت أسرته في حالة كان المُتعرض للإيذاء المعنوي قاصرًا أو تخلص من حياته، المطالبة بتعويض مادي، حسب مايكل رؤوف.

ويرى «رؤوف» أنه من الصعب في ظل التشريعات الحالية توجيه الاتهام بالقتل المعنوي أو القتل بالتخويف أو القتل بالتهديد –حسب كتب القانون- إلى المتسببين في مقتل بسنت وغيرها من الأشخاص الذين قرروا التخلص من حيواتهم بعد التعرض لضغوط نفسية بسبب الابتزاز أو التنمر، لا سيما وأنه وفقًا لتعريف جرائم القتل وأنواعها الواردة بالقانون لم تقع جريمة القتل نفسها. 

لا موانع دستورية

ليس من الضروري أن تكون عقوبات الإيذاء النفسي مجرد غرامات توقع على الجاني، ولكن لماذا لا يكون لدينا الحق في سن عقوبات رادعة لمثل هذه الجريمة البشعة! هكذا تساءل المحامي مايكل رؤوف مستنكرًا ما وصفه بقصور شديد في التشريعات الحالية، قائلًا: "البشر بيتأثروا بشكل أو بآخر بالتنمر أو المعاير أو السخرية الموجهة لهم، ودا بيؤدي بهم للقتل في أحيان كثيرة".

ليس هناك أية موانع دستورية من سَن تشريع لمعاقبة القتلة المعنويين أولئك الذين يتخذون من التخويف والتهديد سلاحًا لهم، وذلك برغم صعوبة إثبات جريمة القتل المعنوي أو بمعنى آخر إثبات القصد الجنائي، ولكنه ليس أمر مستحيل، وفقًا لـ«رؤوف».

الدكتور إيهاب رمزي

قضية تعويض

"من حق أسرة الطالبة المُنتحرة بسنت خالد، المُطالبة بتعويض مادي من الجُناة، سواء أكان المُعلم أو الأشخاص الذين قاموا بتزييف مقاطع الفيديو والصور الإباحية لها"، من وجهة نظر «رؤوف».

وفيما يتعلق بموقف المُعلم المُتنمر على بسنت والذي كان سببًا رئيسيًا في مناقشة جريمة «القتل المعنوي»، لا يمكن توقيع أيًا من عقوبات القتل التي ينص عليها القانون، ولكن يُمكن توقيع عقوبة تأديبية عليه في حالة لم يتم إثبات جريمة التنمر عليه.

واختتم «رؤوف» حديثه مع «النبأ الوطني»، بالتأكيد على أن أسرة بسنت يُمكنها رفع قضية تعويض على المُدرس في حالة تم توقيع عقوبة تأديبية عليه، وهي التي تُساعد في إثبات الإيذاء النفسي الذي وقع على ابنتهم بسبب التنمر عليها.

 

نحتاج قوانين جديدة

"من المؤسف أن يُعاقب القانون المصري على الإيذاء البدني المؤدي للوفاة فقط دون الإيذاء النفسي"، حسب عضو مجلس النواب، وأستاذ القانون، الدكتور إيهاب رمزي.

ويرى عضو مجلس النواب، أن القوانين المتعلقة بهذه الأمور قديمة، الأمر الذي يجعل هناك قصورًا تشريعًا بشأنها، ولا بد من سَن تشريعات جديدة للجرائم المُستحدثة، وفقًا لطبيعة التطور الذي تشهده الجريمة.

واختتم «رمزي» حديثه بأنه لا يوجد في القانون المصري ما يُعاقب على المُتسببن في انتحار الأشخاص، وإن كان هذا واضحًا جليًا للجميع.