الأزمة الأوكرانية.. متى تسقط «كييف» في يد الروس؟ وهل ورطت أمريكا روسيا في المستنقع الأوكراني؟
وبعد مرور أكثر من ثلاثة أيام على بدء العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، أو ما بات يعرف الأزمة الأوكرانية، ما زالت القوات الروسية تحاول الدخول إلى العاصمة الأوكرانية كييف، بعد أن توقع كثيرون أن سقوط كييف في يد الروسي لن يستغرق أكثر من ساعات قليلة، لا سيما في ظل الفرق الهائل في القوة العسكرية بين الجيشين الروسي والأوكراني.
كما تحدث كثيرون عن أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى منذ بدء الأزمة الأوكرانية إلى توريط روسيا في المستنقع الأوكراني من أجل استنزافها عسكريا واقتصاديا، كما حدث معها في افغانستان.
فمتى تسقط العاصمة الأوكرانية كيف، وهل فعلا ستنجح الولايات المتحدة الأمريكية في توريط روسيا في المستنقع الأوكراني كما يتحدث الكثير من الخبراء والساسة الغربيون؟.
اليوم الثالث للغزو الروسي..مسئولون أمريكيون يتوقعون سقوط كييف في غضون أيام قليلة
في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، توقع 3 مسئولين أمريكيين لمجلة نيوزويك سقوط كييف في أيدي القوات الروسية القادمة في غضون أيام، وبحسب تقرير نيوزويك، فإن العاصمة الأوكرانية كييف ستسقط في غضون 96 ساعة.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي إن سقوط كييف أمام القوات الروسية "احتمال وارد".
وأضافت بساكي ردا على سؤال حول مدى احتمال سقوط كييف تحت سيطرة روسيا والإجراءات الأمريكية المحتملة في هذا الصدد: "سقوط كييف هو احتمال ممكن. وما زلنا نرى كيف تتحرك روسيا للأمام، حتى عندما نرى مقاومة على الأرض، تستمر القوات الروسية في التقدم نحو كييف. لذلك توجد مثل هذه الاحتمالية الحقيقية. أنا فقط لن أخوض في فرضيات الآن حول كيف سيبدو وماذا سيكون رد فعلنا".
وأكد أمين عام الناتو، أن الجيش الأوكراني يقاتل ببسالة ويلحق الخسائر بالجيش الروسي، وفقا لماذكرته فضائية "العربية" في نبأ عاجل.
وقال ضابط المخابرات الأميركية الكبير لمجلة نيوزويك: "بعد انتهاء القصف الجوي والمدفعي وبدء الحرب البرية حقًا، أعتقد أن سقوط كييف سيكون في غضون أيام قليلة فقط. قد يصمد الجيش الأوكراني لفترة أطول قليلًا، لكن هذا لن يدوم طويلًا".
الرئيس الأوكراني: لن نسلم السلاح وسندافع عن بلادنا
في وقت تخوض فيه القوات الأوكرانية معارك في العاصمة كييف لصد الجيش الروسي، دعا الرئيس فولوديمير زيلينسكي الأوكرانيين إلى التعبئة وعدم الاستسلام والدفاع عن بلادهم في اليوم الثالث من الاجتياح الروسي. وقال زيلينسكي "أنا هنا. لن نسلم السلاح وسندافع عن بلادنا"، في رسالة فيديو نشرت صباحا على فيس بوك.
وقال زيلينسكي في رسالة فيديو نشرت صباحا على موقع فيس بوك: "أنا هنا. لن نسلم السلاح وسندافع عن بلادنا". ودعا إلى عدم تصديق "المعلومات الكاذبة" المنتشرة على الإنترنت بأنه دعا جيشه إلى تسليم سلاحه. وقال "سلاحنا هو الحقيقة. هذه أرضنا. هذه بلادنا. أطفالنا. سندافع عن كل هذا".
وبثت هذه الرسالة في وقت تخوض القوات الأوكرانية معارك في العاصمة لصد الجيش الروسي. وأفاد الجيش أن معارك عنيفة لا تزال تتواصل قبل الظهر في كييف.
الأسلحة الغربية الفتاكة تتدفق على كييف
بدأت عدة دول غربية تسليم أسلحة ومعدات دفاعية إلى السلطات الأوكرانية، مع دخول الحرب مع روسيا يومها الثالث ووصول المعارك مشارف كييف.
وفي بيان، أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة، اليوم السبت، اتفاقهما مع 25 دولة على تزويد أوكرانيا بمزيد من السلاح في إطار القتال الدائر مع روسيا.
فيما قالت وزارة الدفاع التشيكية إن الحكومة وافقت، اليوم السبت، على إرسال أسلحة وذخيرة بقيمة 188 مليون كرونة (8.57 مليون دولار) لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها ضد هجوم روسيا.
وقالت الوزارة إن الشحنة، التي تشمل أسلحة آلية وبنادق هجومية وأسلحة خفيفة أخرى، سيتم تسليمها من الجانب التشيوكي إلى موقع تختاره أوكرانيا.
وفي الولايات المتحدة، وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن مذكرة تقضي بتقديم 600 مليون دولار مساعدات عسكرية فورية لأوكرانيا، وفقًا لوكالة الأنباء الألمانية.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن، أمس، أن بلاده ستقدم معدات دفاعية لأوكرانيا، إلى جانب مساعدات إضافية بمقدار 300 مليون يورو.
فيما أبلغت الحكومة الهولندية البرلمان في لاهاي، اليوم السبت، أنها ستسلم أوكرانيا 200 صاروخ "ستينجر" للدفاع الجوي، استجابة لطلب من كييف.
ووافقت هولندا بالفعل على تسليم أسلحة ومعدات عسكرية أخرى لأوكرانيا الأسبوع الماضي. وشمل ذلك 100 بندقية قنص مع 30 ألف قطعة ذخيرة، بالإضافة إلى أجهزة رادار وأجهزة كشف ألغام.
وذكرت الحكومة أنه تم إرسال جزء من الصواريخ اليوم السبت، وسيُجرى تسليم الباقي في أقرب وقت ممكن، مشيرة إلى أن هولندا، مثل حلفاء آخرين، لديها مشكلات "لوجستية" في تسليم هذه الأسلحة.
وأمس، قال مصدر أوكراني رفيع، إن 5 دول من حلف شمال الأطلسي، بدأت الخميس، تزويد أوكرانيا، بأسلحة دفاعية.
ونقل جوليان روبكه، مراسل صحيفة "بيلد" الألمانية عن المصدر الرفيع قوله "أستطيع أن أكشف أن 5 دول على الأقل من حلف الناتو، قررت منح أوكرانيا كل الأسلحة التي تطلبها، للدفاع عن نفسها".
وتابع "رغم أنه من الممكن أن يكون ذلك متأخرا، إلا أن تسليم هذه الأسلحة بدأ أمس".
وأضاف "ألمانيا ليست من بين هذه الدول"، وفق ما نشره روبكه على حسابه بموقع التدوينات القصيرة "تويتر".
هل تنزلق روسيا في «المستنقع الأوكراني»؟
تحت هذا العنوان كتب، جيمس جيفري، ممثل وزير الخارجية الاميركي لشؤون سوريا والمبعوث للتحالف الدولي لهزيمة «داعش»، في صحيفة الشرق الأوسط قائلا: يجب النظر إلى الهجوم الروسي على أوكرانيا بأنه ليس مجرد عدوان وحشي ضد دولة ذات سيادة وانتهاك للقانون الدولي فحسب، وإنما على أنه تحدٍّ للنظام الأمني العالمي بأسره، الذي يقوده الغرب منذ الحرب العالمية الثانية. وعليه، فإنه يعد أكبر تحدٍّ لهذا النظام منذ أزمة الصواريخ الكوبية قبل 60 عامًا. والقضية هنا ليست مقدار ما سوف يستولي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عليه من الأراضي الأوكرانية، ذلك أن الاستيلاء على الدولة بالكامل من شأنه أن يمنح روسيا بضع نقاط مئوية من القوة الاقتصادية، والديموغرافية، وبعض المزايا الجيوستراتيجية، وإنما بتكاليف أعلى في حالة الاحتلال الكامل. ومن شأن الاحتلال المحدود أن يحد من مكاسبه بقدر أكبر لكن مع تكلفة أقل.
ويعتقد بعض المقربين من الإدارة الأميركية أن الروس إذا حاولوا احتلال أوكرانيا بالكامل فسوف ينزلقون إلى مستنقع التمرد، الذي يواجه مقاومة من الشعب الأوكراني، لا سيما إنْ كان مدعومًا بالأسلحة، وغير ذلك من أوجه الدعم من بلدان حلف شمال الأطلسي (الناتو) عبر الحدود. وهذا أمر ممكن، وإنما مع اعتبار المحاذير الرئيسية التي يتعين على واشنطن أخذها في الاعتبار. أولًا، نجحت روسيا في إلحاق الهزيمة بالمعارضة السورية فعليًا في الفترة بين 2015 و2018 عبر مزيج من الضربات الجوية الوحشية للغاية التي استهدفت السكان المدنيين الداعمين لقوى المعارضة، إلى جانب دبلوماسية التعامل المرن للغاية مع كل من جماعات المعارضة وجهات الدعم الأجنبية إنفاذًا لسياسة «فرّق تسد» على أرض الواقع. ثانيًا، تستطيع روسيا الرد عسكريًا على دول حلف «الناتو» الداعمة لمقاتلي المعارضة الأوكرانية، مما يُنذر بمخاطر اندلاع حرب أوروبية شاملة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.
بيد أن الخطر الحقيقي ليس الزيادة الطفيفة في قوة روسيا، بل نجاحها في تحدي النظام الأمني الدولي وتقويضه جزئيًا. وبالتالي، ففي المقام الأول، جاءت ردود فعل واشنطن، ثم حلفائها في حلف «الناتو»، ثم معظم بلدان العالم، حاسمة للغاية. وإذا ظل العالم متحدًا خلف الموقف الذي اتخذه الأمين العام للأمم المتحدة بشجاعة، ولم يفرض عقوبات وأوجاعًا دبلوماسية على موسكو فحسب، وإنما قرر أيضًا فصلها عن النظام الدولي، على غرار المعاملة التي نالتها في الحرب الباردة، فلن تجد روسيا الضعيفة نسبيًا سوى خيارات قليلة لمزيد من تحدي النظام الأمني. إلا أن هذا يشكل تأرجحًا كبيرًا للمواقف، ولسوف نرى ما هو أفضل حين نقف على كيفية تفاعل العالم مع أزمة الطاقة المحتملة.
لقد تصرف بوتين على هذا النحو بعد مغامرته الأكثر حذرًا في جورجيا عام 2008، ثم أوكرانيا عام 2014 والتي لم تسفر عن أي أوجاع تقريبًا، فاعتقد أن الغرب ضعيف للغاية، وبلغ درجة من الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية تمنعه من رد الفعل والاستجابة. وعلى هذا النحو، يتعين على المجتمع الدولي أن يتوحد الآن إما لإلحاق الضرر به، أو الاضطرار لبذل المزيد من المجازفات والجهود ضده في وقت لاحق، وإلا، على غرار كل بلدان أوروبا الغربية والوسطى، باستثناء بريطانيا بحلول صيف 1940، إما أن تواجه الانهيار وإما الاصطفاف تحت مظلة واحدة مع المعتدي.
أما في الشرق الأوسط، فيتضح على نحو متزايد ضخامة الهجوم الروسي ليس على أوكرانيا فحسب، وإنما على النظام الأمني العالمي الطويل الأجل، ما يشكل ضغطًا على «التحوط» إزاء الولايات المتحدة من جهة، وإزاء روسيا والصين من جهة أخرى، من جانب الدول الإقليمية خلال السنوات الأخيرة. وقد يبدو أن بعض مواقف التحوط لا تزال مترددة في التوحد حيال موسكو من بعض عواصم الشرق الأوسط، لكن المخاطر التي تهدد العالم بأسره تضعها في حالة من التيه الشديد. وبالتالي، إذا حافظت الولايات المتحدة على سياساتها الذكية حتى الآن، التي تجعل روسيا تدفع تكاليف اقتصادية ودبلوماسية لعدوانها، سوف تصطف الدول الإقليمية وراء واشنطن في نهاية المطاف.
إن تركيا هي الأكثر تأثرًا بهذه الخطوة الروسية، وبالتالي فقد جاء رد فعلها واضحًا وقويًا. ومن الواضح أن إيران انحازت إلى روسيا، وسيكون لذلك تداعيات في الولايات المتحدة، وفي أوروبا بصفة خاصة. وستكون التبعات الاقتصادية بمثابة سيف ذي حدين، ومن المرجح أن تفيد أسعار الطاقة المرتفعة مُصدّري المواد الهيدروكربونية، غير أن الأضرار الشديدة سوف تلحق بالمستوردين. إن احتمال حدوث انكماش اقتصادي عالمي ناشئ عن العدوان والاستجابة الدولية سوف يضر بجميع بلدان المنطقة بشكل كبير.
صحف عربية: واشنطن تريد توريط روسيا في "المستنقع الأوكراني"
ووفق صحف عربية، هناك سيناريو آخر تريده الولايات المتحدة الأمريكية، وهو جر الروس إلى غزو أوكرانيا، لأن الأمريكيين لن يحاربوا ولا يريدون أن يحاربوا، فكل الإجراءات التي سيقومون بها ضد الروس هي بعد الغزو ثم هي إجراءات اقتصادية، بالإضافة إلى تسليح الأوكرانيين لينهكوا القوات الروسية تمامًا كما فعل الأمريكان بتسليح الثوار الأفغان وقت الاتحاد السوفيتي.
في صحيفة عكاظ رسم الكاتب عبد اللطيف الضويحي سيناريو آخر هو نجاح الولايات المتحدة والناتو باستدراج روسيا أو دفعها لغزو أوكرانيا جزئيًا أو كليًا، وأن هذه الرغبة الأمريكية لا تهدف لمواجهة القوات الروسية أو منازلتها على الأرض الأوكرانية، إنما هي محاولة أمريكية لتوريط الروس بمستنقع أوكرانيا على غرار الورطة السوفييتية في المستنقع الأفغاني.
وأشار الكاتب إلى أن هذا السيناريو الأمريكي الذي يهدف لجر الروس لغزو أوكرانيا، مع ما يصاحبه من حملة دبلوماسية غربية وتضليل إعلامي وحرب نفسية، تأمل الإدارة الأمريكية أن ينجح مع تهيئة الأسباب والظروف والدوافع الروسية والأوروبية والأوكرانية كي يقع الغزو الروسي لأوكرانيا، خاصة أن دوافع روسية قومية، جيو استراتيجية، تاريخية، واقتصادية، بالإضافة إلى توفر الدوافع لدى نسبة غير قليلة من السكان الأوكرانيين الذين يتطلعون للوحدة الديموغرافية والجغرافية مع الروس.
وقال الضويحي إن الأمريكيين لن يحاربوا ولا يريدون أن يحاربوا، فكل الإجراءات التي سيقومون بها ضد الروس هي بعد الغزو ثم هي إجراءات اقتصادية، بالإضافة إلى تسليح الأوكرانيين لينهكوا القوات الروسية تماما كما فعل الأمريكان بتسليح الثوار الأفغان بصواريخ ستنجر التي أنهكت القوات السوفييتية فارتفعت كلفة الاحتلال السوفييتي على المحتلين بشريًا وماديًا، دفعتها الخزينة من اقتصادها الذي أدى إلى انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي وإسدال الستار على أطول فترة حرب باردة في العصر الحديث آنذاك.
«مستنقع» روسي في أوكرانيا... دروس من الشيشان وأفغانستان
تحت العنوان أعلاه، كتب، كميل الطويل، في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، هل تخاطر روسيا فعلًا، بغزوها الحالي لأوكرانيا، بـ«الغرق في مستنقع»، كما حصل في الماضي لجيشها في أفغانستان، في ثمانينات القرن الماضي، ولاحقًا في الشيشان، في تسعيناته؟ هذا ما لوح به مسؤولون غربيون في الأيام الماضية. ولكن هل هذا السيناريو واقعي فعلًا؟ هذه مقارنة سريعة بين دروس «مستنقعي» أفغانستان والشيشان وإمكان تكراره في أوكرانيا كما يأمل الغربيون اليوم:
وأضاف: هدد مسؤولون غربيون، في أكثر من مناسبة، قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا وبعده، بأن الرئيس فلاديمير بوتين يخاطر بأن تتحول أوكرانيا إلى «شيشان ثانية» تغرق فيها القوات الروسية، في إشارة إلى أن الروس سيواجهون حرب عصابات وتمردًا على غرار ما حصل في هذه الجمهورية المسلمة في القوقاز في تسعينات القرن الماضي.
وتابع: كان البريطانيون أوضح من لوح بهذا الخيار – المخاطرة، قبل أسابيع من بدء الغزو فجر أمس. في الأيام الماضية، أعاد البريطانيون التلويح بهذا الخيار مع «توضيح» أنهم كانوا يقصدون حرب الشيشان الأولى بين العامين 1994 و1996، وليس الثانية (1999 – 2000). وأوضح: جاء توضيحهم، على الأرجح، بعدما اكتشفوا أن التلويح بـ«شيشان ثانية» قد يعتبر بمثابة «دعوة» للرئيس بوتين للغزو، وليس لردعه عن الغزو. فحرب الشيشان الأولى، خلال عهد الرئيس السابق بوريس يلتسن، كانت بالفعل «مستنقعًا» غرق به الروس وكلفهم خسائر فادحة (آلاف القتلى والجرحى)، وانتهت بهزيمتهم وانتصار المتمردين الشيشان. لكن حرب الشيشان الثانية التي أشرف عليها الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، خلال توليه رئاسة الحكومة وبعد توليه الرئاسة، خلفًا ليلتسن، كانت في نظر الروس نصرًا مبينًا. أنهت هذه الحرب التمرد في الشيشان وقضت عليه عمليًا، رغم أنه جاء بثمن باهظ للشيشان الذين وجدوا عاصمتهم غروزني وقد تحولت إلى ركام نتيجة الضربات الروسية. وأعطى هذا الانتصار شعبية واضحة لبوتين الذي ظهر في أعين الروس ليس فقط بوصفه من أخضع المتمردين الشيشان بل أيضًا نتيجة قضائه على «تهديد إرهابي» كان يطرق أبوابهم في موسكو نفسها من خلال تفجيرات تستهدف أبنية سكنية.
واستطرد: وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المتمردين الشيشان لم يحظوا، في حربيهم الأولى والثانية، بدعم غربي في مواجهة الروس، ربما نتيجة خوف العواصم الدولية الكبرى من وجود متشددين عرب يرتبط، بعضهم بتنظيم «القاعدة»، التحقوا بالشيشان بهدف تكرار تجربة «المستنقع الأفغاني» ضد الروس في القوقاز هذه المرة.
وقال: خسر المتمردون الشيشان الحرب ضد روسيا نتيجة عوامل عديدة، أحدها فقط غياب الدعم العسكري الغربي. الآن تختلف الصورة، كما يبدو، بالنسبة لأوكرانيا. فقد سارع الغربيون، وعلى رأسهم البريطانيون والأميركيون، إلى تزويد الأوكرانيين بـ«أسلحة دفاعية» بينها قاذفات صواريخ متطورة من طراز (جافلين) قادرة على توجيه ضربات دقيقة للمدرعات والدبابات الروسية. كما أن هناك جنودًا غربيين إلى جانب الجنود الأوكرانيين لتدريبهم على استخدام الأسلحة الحديثة التي تعطى لهم. لكن الغربيين أكدوا مرارًا بأنهم لا ينوون الدخول في نزاع عسكري مباشر ضد الروس بسبب أوكرانيا، ما يوحي بأن هؤلاء الجنود – المدربين سينسحبون إذا ما تقدم الروس غربًا نحو كييف.
واستطرد: عندما حذر الغربيون الروس من مستنقع شيشاني ربما كان في ذهنهم أفغانستان، لكنهم فضلوا عدم التلويح بهذا السيناريو لأنهم أنفسهم كانوا قد ذاقوا لتوهم مرارة الهزيمة في أفغانستان عندما اضطروا للانسحاب في أغسطس (آب) العام الماضي بعد غزو دام 20 سنة وانتهى بعودة حركة «طالبان» إلى سدة الحكم.
وتابع: ولا شك أن بعض الغربيين يمني النفس الآن بأن أوكرانيا ستتحول إلى أفغانستان ثانية بالنسبة إلى الروس، كما كانت في الثمانينات ضد الجيش الأحمر. هنا، كان الغربيون أساسيين في تقديم الدعم للمجاهدين الأفغان. فقادة هؤلاء كانوا يستقبلون في عواصم العالم. يعقدون مؤتمرات صحافية في البيت الأبيض مع الرئيس رونالد ريغان. لم يكن الدعم سياسيًا فقط بالطبع. فقد أشرفت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (إم آي 6) على تزويد الأفغان بالأموال والأسلحة، بما في ذلك صواريخ «ستينغر» التي حرمت الجيش الأحمر من سيطرته المطلقة على الأجواء فوق أفغانستان.
وواصل: لكن هناك فرقًا جوهريًا بين المثالين الأفغاني والأوكراني، حتى ولو وحد بينهما هدف الغربيين وهو إغراق السوفيات، من قبل، والروس، الآن، في «مستنقع» لا يستطيعون الخروج منه إلا مهزومين. والفرق هنا واضح. فالمجاهدون الأفغان كانوا ينطلقون من منطلق ديني إلى حد كبير. فقد حملوا السلاح في مواجهة «الشيوعيين الملحدين»، بنسختهم المحلية الممثلة بحكومة نجيب الله في كابل، أو بنسختهم السوفياتية ممثلة بـ«الجيش الأحمر». ولكن في مقابل حقيقة أن الأفغان، ومن بعدهم الشيشان، حملوا السلاح ضد السوفيات انطلاقًا من هدف ديني إلى حد كبير، فإن هذا العامل يكاد يكون غائبًا كليًا في الحالة الأوكرانية في ضوء انتماء الأوكرانيين والروس ليس فقط إلى الديانة ذاتها بل أيضًا إلى العرقية السلافية ذاتها.
وختم: كما أن هناك فرقًا جوهريًا آخر بين الحالتين الأفغانية والأوكرانية. فالدعم الغربي للمجاهدين الأفغان ذهب إلى فصائل مسلحة كانت تقاوم حكومة «شرعية» قائمة في كابل. أما الدعم الغربي للأوكرانيين اليوم فهو يذهب إلى حكومة قائمة فعلًا في كييف وإلى جيشها النظامي، وليس إلى مجموعات مسلحة، كما كان الحال في أفغانستان. لكن بالطبع هذا السيناريو يمكن أن يتغير لاحقًا إذا ما تمكن الروس من إطاحة حكومة الرئيس فولودومير زيلنسكي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى قيام مجموعات مسلحة تقاوم الروس. وثمة مؤشرات بالطبع إلى احتمال حصول هذا الأمر في ضوء توزيع حكومة كييف السلاح على المواطنين الراغبين في «مقاومة الغزاة».