علي جمعة يوضح أهمية رد المظالم قبل ليلة النصف من شعبان
أجاب الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، وعضو كبار هيئة العلماء، عن سؤال بشأن أهمية رد المظالم قبل ليلة النصف من شعبان.
وجاء السؤال يقول: ما خطورة قطع الرحم والمشاحنة مع الناس في ليلة النصف من شعبان رغم أنه يفعل الخير ويتصدق ويصوم ويصلي؟ ليرد علي جمعة، قائلا إن هناك ما يسمى بمحبطات الأعمال كمن توضأ ونقض وضوءه، فعدم صلة الرحم والمشاحنة مع الآخرين وإيذاء الجار، وأكل أموال الناس بالباطل، وخاصة ما هو شائع فى بعض البلدان من حرمان الأنثى من الميراث، وكل هذا من مصائب محبطات الأعمال فنتمنى من الله أن الحسنات يذهبن السيئات كما وعد.
رد المظالم قبل ليلة النصف من شعبان
وتابع على جمعة: "لكن هناك أمور محبطة للأعمال الصالحة عندما تكون متعلقة بظلم وأذية العباد، ففى هذه الليلة وكل ليلة يجب علينا المبادرة برد المظالم بإنهاء المشاحنات والخروج من النفاق وصفاته إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر، فيجب أن نتخلص منها ونعود إلى الله فى هذه الأيام الكريمة وليكن ذلك من محطات التجديد فى الحياة.
قال الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن في هذا الشهر الكريم ليلة عظيمة هى ليلة النصف من شعبان ، عظم النبي ﷺ شأنها فقال: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ( ابن ماجه وابن حبان)، وقد ورد في فضل تلك الليلة أحاديث بعضها مقبول وبعضها ضعيف، غير أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، ولذلك يحرص الصالحون على قيام ليلها وصيام نهارها.
وأضاف علي جمعة عبر الفيسبوك: وفي شعبان تم تحويل القبلة، وهو حدث عظيم في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث كان تحويل القبلة في البدء من الكعبة إلى المسجد الأقصى لحكمة تربوية وهي العمل على تقوية إيمان المؤمنين وتنقية النفوس من شوائب الجاهلية: (وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) فقد كان العرب قبل الإسلام يعظمون البيت الحرام ويمجدونه. ولأن هدف الإسلام هو تعبيد الناس لله وتنقية القلوب وتجريدها من التعلق بغير الله وحثها على اتباع المنهج الإسلامي المرتبط بالله مباشرة، لذا فقد اختار لهم التوجه قبل المسجد الأقصى، ليخلص نفوسهم ويطهر قلوبهم مما علق بها من الجاهلية، ليظهر من يتبع الرسول اتباعا صادقا عن اقتناع وتسليم، ممن ينقلب على عقبيه ويتعلق قلبه بدعاوى الجاهلية ورواسبها.
وأكمل علي جمعة: وبعد أن استتب الأمر لدولة الإسلام في المدينة، صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام، ليس تقليلا من شأن المسجد الأقصى ولا تنزيلا من شأنه، ولكنه ربط لقلوب المسلمين بحقيقة أخرى هي حقيقة الإسلام، حيث رفع سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل قواعد هذا البيت العتيق ليكون خالصا لله، وليكون قبلة للإسلام والمسلمين، وليؤكد أن دين الأنبياء جميعا هو الإسلام: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ) وليس تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام إلا تأكيدا للرابطة الوثيقة بين المسجدين.
وأضاف أنه إذا كانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قد قطع فيها مسافة زمانية قصر الزمن أو طال، فقد كان تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام رحلة تعبدية، الغرض منها التوجه إلى الله تعالى دون قطع مسافات، إذ لا مسافة بين الخالق والمخلوق: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) وعندما يتجه الإنسان من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام فهو بذلك يعود إلى أصل القبلة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) فهي دائرة بدأت بآدم مرورا بإبراهيم حتى عيسى عليهم السلام، ولكنها لم تتم أو تكتمل إلا بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، فقد أخره الله ليقدمه، فهو وإن تأخر في الزمان فقد تحقق على يديه الكمال.
واختتم الدكتور علي جمعة: "وقد كرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم، في هذه الليلة بأن طيب خاطره بتحويل القبلة والاستجابة لهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) وما الأمر في هذا كله إلا أنه انتقال من الحسن إلى الأحسن وهذا شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمور كلها.
وجاء تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام أيضا لتقر عين الرسول صلى الله عليه وسلم فقلبه معلق بمكة، يمتلئ شوقا وحنينا إليها، إذ هي أحب البلاد إليه، وقد أخرجه قومه واضطروه إلى الهجرة إلى المدينة المنورة التي شرفت بمقامه الشريف فخرج من بين ظهرانيهم ووقف على مشارف مكة المكرمة قائلا: "والله إنك لخير أرض الله وأحب الأرض إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" (رواه الترمذي) وبعد أن استقر ﷺ بالمدينة المنورة، ظل متعلقا بمكة المكرمة فأرضاه الله عز وجل بأن جعل القبلة إلى البيت الحرام، فكانت الإقامة بالمدينة والتوجه إلى مكة في كل صلاة، ليرتبط عميق الإيمان بحب الأوطان.