وفاة مادلين أولبرايت أول وزيرة خارجية في تاريخ أمريكا.. قصة لاجئة غيّرت مجرى التاريخ.. ماذا قالت عن موت نصف مليون طفل عراقي؟
غيب الموت مادلين أولبرايت، أول وزيرة خارجية في تاريخ أمريكا عن 84 عاما بعد معاناتها من السرطان حسبما قالت عائلتها.
وأفادت العائلة في بيان بأن أولبرايت توفيت "محاطة بأفراد من العائلة وأصدقاء". ونعت العائلة "والدة وجدة وأختا وصديقة محبة" و"مدافعة بلا كلل عن الديمقراطية وحقوق الإنسان".
وأولبرايت هي أول امرأة تولت حقيبة الدبلوماسية في الولايات المتحدة وإحدى أكثر الشخصيات السياسية نفوذا في جيلها.
بيان للرئيس جو بايدن بشأن وفاة وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت
نشرت السفارة الأمريكية بالقاهرة، بيانا للرئيس الأمريكي جو بايدن، ينعي فيه وفاة أولبرايت، حيث قال:
كانت مادلين أولبرايت قوة وهذه هي القوة التي قلبت مجرى التاريخ
وجدت مادلين، عندما كانت فتاة صغيرة، موطنًا في الولايات المتحدة، بعد أن فرت عائلتها من موطنها الأصلي في تشيكوسلوفاكيا خلال الحرب العالمية الثانية وسقوط الستار الحديدي في جميع أنحاء وسط أوروبا وشرقها. وكان والدها، وهو دبلوماسي، أدرجه النظام السوفيتي على لائحة المطلوبين. وأمضت بقية أيامها في الدفاع عن الحرية حول العالم والدفاع عن الذين عانوا من القمع.
لقد كانت مهاجرة فرت من الاضطهاد. وقد كانت لاجئة بحاجة إلى ملاذ آمن. وكانت، مثل الكثيرين قبلها، ومن بعدها، أمريكية بفخر.
لقد قامت بتحد التقاليد وكسر الحواجز مرارا وتكرارا لجعل هذا البلد الذي أحبته أفضل. وعملت بلا كلل بصفتها الأم المخلصة لثلاث بنات محبوبات على تربيتهن وحصلت على درجة الدكتوراه وبدأت حياتها المهنية. ونقلت مواهبها أولا إلى مجلس الشيوخ كموظفة للسيناتور إدموند موسكي وتلاها العمل في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر. ثم عملت في الأمم المتحدة حيث شغلت منصب سفيرة الولايات المتحدة. ودخلت التاريخ في الختام كأول امرأة وزيرة للخارجية عندما عينها الرئيس كلينتون.
واستمرت الوزيرة أولبرايت، وهي الباحثة والمعلمة والمؤلفة الأكثر مبيعا وسيدة الأعمال التي حققت نجاحا بعد ذلك، في تقديم المشورة لرؤساء وأعضاء الكونغرس بمهارة لا مثيل لها وفطنة دبلوماسية. واستخدمت في كل دور ذكاءها الشديد وذكائها الحاد، وغالبا ما استخدمت – مجموعتها التي لا مثيل لها من الدبابيس، – لتعزيز الأمن القومي لأمريكا وتعزيز السلام في جميع أنحاء العالم. ولم يكن لدى أمريكا من نصير أكثر التزاما للديمقراطية وحقوق الإنسان من الوزيرة أولبرايت، التي كانت تعرف شخصيًا وكتبت بقوة عن مخاطر الاستبداد.
لقد كان العمل مع الوزيرة أولبرايت خلال التسعينات من بين النقاط البارزة في مسيرتي المهنية في مجلس الشيوخ الأمريكي خلال فترة عضويتي في لجنة العلاقات الخارجية. وعندما أعاد العالم تشكيل نفسه في أعقاب الحرب الباردة، كنا شركاء وأصدقاء نعمل على الترحيب بالديمقراطيات المحررة حديثا في حلف الناتو ومواجهة أهوال الإبادة الجماعية في البلقان.
عندما أفكر في مادلين سأتذكر إيمانها الشديد بأن “أمريكا هي الأمة التي لا غنى عنها”.
لم تبتعد الوزيرة أولبرايت في السنوات التي تلت تركها للحكومة عن هذا الاعتقاد. فواصلت، كرئيسة للمعهد الديمقراطي الوطني لأكثر من عقدين، ومن خلال المنظمات الأخرى التي تقدم لها المشورة، الدفاع عن المبادئ الديمقراطية باعتبارها ذات أهمية حيوية لمصالح أمريكا في الحرية والازدهار والأمن.
كما واصلت إرشاد ورعاية أجيال جديدة من خبراء السياسة الخارجية في جامعة جورج تاون ومركز كوريل للدراسات الدولية في جامعة دنفر، الذي تم تسميته على اسم والدها، وغيره. وقامت، كما هو الحال دائما، بمشاركة رؤيتها وحكمتها على نطاق واسع، لكنها كانت مكرسة نفسها على نحو خاص لدعم الجيل القادم من القيادات النسائية، بما في ذلك إنشاء معهد أولبرايت للشؤون العالمية في كلية ويسلي.
لقد كانت مادلين دائما قوة للخير والهيبة والاحترام وكذلك للحرية.
سأفتقدها أنا وزوجتي جيل كثيرا ونحن نرسل تعازينا وصلواتنا إلى بناتها، آليس وآن وكاتي، وشقيقتها كاثي وشقيقها جون وكذلك أحفادها الستة وأبناء إخوتها.
من هي مادلين أولبرايت؟
وولدت مادلين كوربل أولبرايت في تشيكوسلوفاكيا السابقة فى 15 مايو 1937، واسمها ماري آنا كوربولوفا، وتنتمي إلى الحزب الديمقراطي.
كما كانت أول امرأة تتسلم منصب وزير الخارجية في الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن سماها الرئيس بيل كلينتون في 5 ديسمبر 1996 لهذا المنصب لتكون وزير خارجية فترته الرئاسية الثانية، وتسلمت المنصب في 23 يناير 1997 لتصبح وزير الخارجية الرابع والستين للولايات المتحدة، وظلت في منصبها حتى 20 يناير 2001.
وبزغ نجم أولبرايت التي عرفت بأسلوبها الصارم في الحديث خلال عملها في إدارة ترددت في الانخراط في أكبر أزمتين خارجيتين في التسعينيات من القرن الماضي، وهما الإبادة الجماعية في رواندا وأزمة البوسنة والهرسك، وفق تقرير نشرته "رويترز".
وكانت أولبرايت، التي أصبحت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة عام 1993، قد ضغطت من أجل اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الحرب في البوسنة.
تولت أولبرايت حقيبة الخارجية خلال عهد الرئيس بيل كلينتون بين 1997 و2001، وكانت أيضا سفيرة لبلادها لدى الأمم المتحدة. وقورن نفوذها على المستوى الدولي بدور مارغريت ثاتشر في بريطانيا في ثمانينيات القرن الماضي.
وكانت أولبرايت شخصية محورية في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، حيث عملت أولا كسفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة قبل أن تشغل أكبر منصب دبلوماسي في البلاد في فترة ولايته الثانية.
كما كانت أولبرايت وجها للسياسة الخارجية الأمريكية في العقد الممتد بين نهاية الحرب الباردة وما سمي بحقبة "الحرب على الإرهاب" التي تبناها الرئيس الأسبق جورج بوش.
نشطاء يتداولون فيديو لـ "مادلين أولبرايت" تتحدث فيه عن ثمن موت نصف مليون طفل عراقي
تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يبرز تصريحات سابقة أدلت مادلين أولبرايت -أول وزيرة خارجية للولايات المتحدة الأمريكية- عام 1996 حول وفاة نصف مليون طفل عراقي بسبب العقوبات المفروضة على العراق.
ويُظهر الفيديو المتداول الذي أخذ من مقابلة أجرتها أولبرايت مع برنامج 60 دقيقة عام 1996، مذيعة البرنامج وهي تسأل أولبرايت التي كانت سفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة آنذاك عن معاناة العراق من العقوبات المفروضة عليها في أعقاب حرب الخليج الثانية وغزو الكويت في أغسطس عام 1990، فقالت: "سمعنا أن نحو نصف مليون طفل ماتوا وهذا عدد أطفال أكثر من الذين ماتوا في هيروشيما هل الثمن يستحق؟"
أجابت أولبرايت بشكل مباشر ودون تردد، قائلة: "أعتقد أن ذلك خيار صعب جدا.. ولكن نعتقد أن الثمن مستحق".
وعلقت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على رحيل مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مذكرة بتصريح لها بررت فيه وفاة أطفال عراقيين بسبب العقوبات على بلادهم.
وفي منشور لها عبر "تلغرام" قالت زاخاروفا إن أولبرايت توفيت عشية الذكرى السنوية الـ23 لبدء قوات الناتو بقصف يوغوسلافيا السابقة في 24 مارس 1999، ووصفت الوزيرة الأمريكية الراحلة بأنها كانت "منظرة" لهذه العملية.
وأضافت زاخاروفا أن سجل "إنجازات" أولبرايت لا يقتصر على البلقان، مذكرة بتصريح أدلت به أولبرايت في مقابلة أجراها معها برنامج "60 دقيقة" لقناة CBSفي 12 مايو من عام 1996.
وعندما سألتها المذيعة "سمعنا أن نحو نصف مليون طفل ماتوا وهذا عدد أطفال أكثر من الذين ماتوا في هيروشيما هل الثمن يستحق؟" أجابت أولبرايت قائلة: "أعتقد أن ذلك خيار صعب جدا ولكن نعتقد أن الثمن يستحق (الدفع)".
وتساءلت زاخاروفا: "هل خضعت أولبرايت لأي عقوبات؟ كلا، بل وأقيم نصب تذكاري لها في كوسوفو لقتل الصرب"، مشيرة إلى أن بين الحاضرين بحفل افتتاح ذلك النصب كان "رئيس" كوسوفو وقتها هاشم تاجي، هو القائد الميداني السابق لجيش تحرير كوسوفو، الذي "تاجر بالأعضاء البشرية، أعضاء الصرب الذين قتلوا على أيدي الأمريكيين".
واختتمت زاخاروفا قائلة: "(كل ذلك) للمساعدة في فهم من هم الذين نواجههم في هذه الدنيا".
الأمين العام ينعى مادلين أولبرايت التي كانت "من أكثر القادة تأثيرا في عصرها"
أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن شعوره بحزن عميق عندما علم بوفاة الدكتورة مادلين أولبرايت، وقدّم تعازيه القلبية لأسرتها وأصدقائها وزملائها وكل من تأثر بحياتها الاستثنائية.
ونشر موقع الأمم المتحدة بيانا للأمين العام، أنطونيو غوتيريش، ينعي فيه، وفاة مادلين أولبرايت، وقد جاء في البيان:
قال السيد أنطونيو غوتيريش: "من قاعات الأمم المتحدة إلى قيادتها لوزارة الخارجية والدعوة في جميع أنحاء العالم، كانت مادلين أولبرايت رائدة ونموذجا يحتذى به وداعية للعمل متعدد الأطراف والتعاون الدولي."
وقد هربت أولبرايت من تشيكوسلوفاكيا عندما كانت طفلة عشية الحرب العالمية الثانية، وأصبحت واحدة من أكثر قادة السياسة الخارجية للولايات المتحدة تأثيرا في عصرها.
وأضاف السيد غوتيريش: "تعتبر حياتها شهادة قوية على المساهمات القيّمة التي يقدمها اللاجئون إلى البلدان التي ترحب بهم."
ووصف أولبرايت بالصديقة العزيزة التي نال شرف العمل معها على مر السنين - فقد عمل السيد غوتيريش مع مادلين أولبرايت بما في ذلك في مبادرة تركز على بناء تحالفات عالمية للقرن الحادي والعشرين.
وقال: "لطالما أذهلتني مشورتها الحكيمة وخبرتها العميقة وآراؤها الفريدة وإنسانيتها الثابتة والدفء والبديهة."