نرصد تأثير زيادة سعر جلسة الغسيل الكلوي على مرضى الفشل في مصر
شهدت الأيام القليلة الماضية قرار وزارة الصحة والسكان بزيادة سعر جلسة الغسيل الكلوي من 325 إلى 500 جنيه للجلسة الواحدة، اعتبارًا من 5 أكتوبر الجاري، وذلك بعد دراسة أجرتها لجنة فنية من قطاع الطب العلاجي بالوزارة، لتعديل الأسعار في ضوء زيادة أسعار مستلزمات جلسة الغسيل الكلوي.
مرضى الفشل الكلوي في مصر
ويثير قرار وزارة الصحة بشأن زيادة سعر جلسة الغسل الكلوي تساؤلًا مهمًا حول مدى تأثير زيادة سعر جلسة الغسيل الكلوي على مرضى الفشل الكلوي في مصر؟، خاصة أن مصر بها نحو 165 ألف مريض يجري عملية غسيل كلوي 3 مرات أسبوعيًا حسب تصريح للدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة خلال مداخلة هاتفية ببرنامج «الحكاية»، الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب، عبر قناة «إم بي سي مصر».
ونص القرار على سريان قرارات العلاج على نفقة الدولة الصادرة قبل 5 أكتوبر الجاري بالسعر القديم، والمحاسبة بسعر 500 جنيه للجلسة اعتبارًا من ذلك التاريخ، سواء في وحدات غسيل الكلى بالمستشفيات الحكومية أو الخاصة المتعاقدة مع الوزارة، بواقع 3 جلسات للمريض أسبوعيًا، أي بإجمالي 6 آلاف جنيه شهريًا.
واشترطت وزارة الصحة لتحمّل تكلفة جلسات غسيل الكلى وجود تأمين صحي للمريض، أو صدور قرار رسمي بعلاجه على نفقة الدولة، لا سيما أن زيادة سعر جلسة الغسيل الكلوي بسبب ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية في الأشهر الأخيرة مثل المحاليل والفلاتر والأدوية، مقابل ثبات مخصصات ميزانية العلاج على نفقة الدولة والتأمين الصحي لهذا البند.
لكن يبدو أنه حينما كان سعر جلسة الغسيل الكلوي 350 جنيه للمريض، كان يتكلف المريض 700 جنيه بالأدوية والمضادات في الجلسة الواحدة، أما بعد ارتفاع سعر الجلسة إلى 500 جنيه، سوف تصل تكلفة الجلسة إلى 1000 جنيه بالأدوية والمضادات في الجلسة الواحدة، كما أن 3 جلسات للمريض محددة له في الإسبوع على 1000 جنيه يساوي 3 آلاف جنيه يتكلفها المريض إسبوعيًا، ثم نضرب الرقم الأخير في 4 أسابيع، وهو ما يساوي 12 ألف جنيه شهريًا لجلسات الغسيل الكلوي لمريض واحد.
ويعد الرقم النهائي لتكلفة جلسات الغسيل الكلوي للمريض شهريًا والتي تصل إلى 12 ألف جنيه، «كارثة» في ظل وجود 165 ألف مريض يجري عملية غسيل كلوي في مصر، منهم من يجري عمليات الغسيل على نفقة الدولة، ومنهم من يتحمل نفقاته ويلهث وراء الحصول على قرار العلاج والذي لا يحصل عليه بسهولة!.
ارتفاع أعداد مرضى الفشل الكلوي في مصر
وتشهد وحدات غسيل الكلى في المستشفيات الحكومية ازدحامًا من مرضى القصور الكلوي في مختلف المحافظات، الذين يترددون عليها، على أمل إجراء غسيل الكلى بالمجان أو بكلفة بسيطة، نظرًا لانعدام قدرتهم المادية على إجراء الغسيل في المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة.
وتزداد أعداد الإصابة بالفشل الكلوي في مصر مقارنة بالنسب العالمية، فوفقا للجمعية المصرية لأمراض وزراعة الكلى تصل نسبة من هم في احتياج للغسيل الكلوي إلى 650 حالة لكل مليون، وهو أكثر من ضعف النسبة العالمية، وتصل نسبة الوفاة لأكثر من 25 في المئة من المصابين مقارنة بالنسبة العالمية والتي تبلغ نحو 10 في المئة، ولكن هل تعكس هذه الأرقام واقع الحال؟.
نرصد معاناة مرضى الفشل الكلوي في مصر
في محافظة الأقصر، يذهب محمود إبراهيم 3 مرات إسبوعيًا للمستشفى الدولي لجلسة الغسيل الكلوي لابنته الكبرى «نسمة»، ويقول إنه كان يتكلف 700 جنيه تقريبا في الجلسة الواحدة حينما كان سعر الجلسة 350 جنيه، بالأدوية والمضادات ومصاريف الانتقالات، لكن بعد ارتفاع سعر الجلسة إلى 500 جنيه للجلسة الواحدة ما يعني وصول التكلفة إلى ألف جنيه تقريبا.
وتبدلت حياة محمود منذ 5 سنوات عندما شخصت حالة ابنته بفشل كلوي أدى إلى فقدان وزن شديد ثم رحلة علاج يساهم فيها المنزل والأقارب شيئا فشيئا، منذ ذلك الحين كان مرتبه 5 آلاف جنيه تقريبا، زادت مع الوقت بعمل ثان إلى حوالي 8 ألاف منهم مصروفات العلاج وتعليم ابنين تخرج أحدهما بالفعل، فيما أصبحت ثلثاها مع الوقت ثمنا للعلاج وثلث أخير بالكاد يقضي حاجة المنزل.
بحسبة بسيطة يفند محمود على، الـ500 جنيه ثمن الجلسة الواحدة، الذي تم بقرار وزارة الصحة والسكان، من أجره من عملين بقيمة 10 آلاف جنيه إلى 6 آلاف جنيه تقريبا مع أدوية لا تقل عن ألف جنيه ما يعني وصول الإجمالي إلى 7 آلاف جنيه كانت أقل من ثلثي هذه التكلفة تقريبا مع بداية المرض إلا أنه مع زيادة الأسعار والتكلفة للأدوية أصبحت ثلثين المرتب الذي مثل ارتياحا في بدايته لأسرة تتكون من 5 أفراد في حين وضعهم بجوار الكادحين مع مرض أحدهم.
بينما يحتاج عبدالرحمن بدوي 45 عاما لجلسة شهرية في المستشفى القبطي لعمله في القاهرة، وينفذ جلسات آخرى في مسقط رأسه بمحافظة سوهاج، ومع العمل المستمر يحتاج إلى أدوية بشكل أكبر ومسكنات تساعده على العمل الشاق الذي لم يتوقف عنه مع علمه بإصابته بفشل كلوي منذ 3 سنوات تقريبا.
وبحسب الجمعية المصرية للكلى فإن أعداد الوفيات الناجمة عن أمراض الكلى - بشكل عام- في مصر سنويًا تصل إلى ما يقرب من 20 ألفًا و433 حالة، أي ما يعادل 32.88 حالة بين كل 100 ألف مصري، لتحتل مصر بذلك المرتبة الـ20 بالنسبة لعدد الوفيات الناتجة عن أمراض الكلى (بصورة عامة) على مستوى العالم.
ويوجد في مصر ما يقرب من 460 مركزًا خاصا وحكوميًا لإجراء عمليات الغسيل الكلوي جميعها بالمدن، وأن المراكز التي خضعت للإحصائية 86 مركزًا فقط يوجد بها نحو 3581 مريض.
أسباب انتشار الإصابة بـ«الفشل الكلوي»
من ناحيته، يقول الدكتور علي القرياتي، أستاذ الباطنة وأمراض الكلى بكلية طب سوهاج وعضو مجلس الإدارة بالجمعية المصرية لأمراض وزراعة الكلى، إن الدول العربية لا تتوافر فيها الأدوات والإمكانيات للوصول إلى أرقام فعلية صحيحة، لكن الجهود الحكومية مستمرة للوصول لإحصائيات أكثر دقة، موضحًا أن الأسباب الثلاثة الرئيسية للإصابة بالفشل الكلوي هي: «ارتفاع ضغط الدم، والإصابة بمرض السكري، والإفراط في تناول المسكنات والمضادات الحيوية».
ويضيف أستاذ الباطنة وأمراض الكلى بكلية طب سوهاج وعضو مجلس الإدارة بالجمعية المصرية لأمراض وزراعة الكلى، أن ارتفاع ضغط الدم هو مرض قد يأتي دون أي أعراض، لافتًا إلى أن الثقافة العلاجية في العالم العربي تتعلق دائما بالأعراض، "فلا يذهب مريض الضغط إلى الطبيب لانعدام شعوره بأعراض، وبالتالي لا يحصل على علاج، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تداعيات صحية خطيرة، من أهمها (الفشل الكلوي)، وهي مشكلة تظهر بشكل أكبر في المناطق الأكثر فقرًا، حيث تزداد نسب الإصابة بذلك المرض.
ويكمل: ويؤثر ارتفاع نسبة السكر في الدم عند المصابين بمرض السكري سلبًا على وظائف الكلى، وهو ما يؤدي إلى الإصابة بالقصور الكلوي إذا لم تتم معالجته، فضلًا عن أن الإفراط في تناول المسكنات والمضادات الحيوية أصبح سببًا من الأسباب الأساسية للإصابة بالفشل الكلوي في الفترة الأخيرة.
نصائح مهمة لتقليل أعداد الإصابة بالقصور الكلوي
وينصح أستاذ الباطنة وأمراض الكلى بكلية طب سوهاج وعضو مجلس الإدارة بالجمعية المصرية لأمراض وزراعة الكلى، بعدم تعاطي المسكنات والمضادات الحيوية من دون استشارة طبيب، وهو الأمر الذي (يحتاج إلى تقنين) لتقليل أعداد الإصابة بالقصور الكلوي.
وشهدت الفترة الأخيرة تفشيًا لحالات الإصابة بالفشل الكلوي بين شباب أصحاء في مصر لا يعانون من أمراض أخرى كالضغط والسكر، ولكن بعد بحث الأطباء تبين أن تلك الحالات أصيبت بسبب تعاطي المخدرات المختلفة المنتشرة الآن في شوارع مصر مثل الترامادول وغيره.
مبادرة الكشف والعلاج المبكر للاعتلال الكلوي
وفي وقت سابق، أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي، مبادرة الكشف والعلاج المبكر للاعتلال الكلوي وهي تهدف إلى الكشف المبكر عن القصور الكلوي بمراحله الأولى وعلاج أسبابه وخفض معدلات حدوثه، وتحديد نسب الفشل الكلوي وأسبابه على مستوى محافظات الجمهورية، إضافة إلى عمل خريطة للقصور الكلوي بالمحافظات.
وأوضحت وزارة الصحة أنه سيتم خلال هذه المبادرة التوعية الصحية للمواطنين عن أسباب القصور الكلوي، وتحليل السكر، وقياس ضغط الدم، بجانب قياس الطول والوزن وتحديد مؤشر كتلة الجسم، وقياس نسبة الكرياتينين في الدم، وتحليل البول.