رئيس التحرير
خالد مهران

مفاجآت بالجملة في ملف تفجير سان بطرسبرج

داريا تريبوفا المتهمة
داريا تريبوفا المتهمة بتفجير مقهى سان بطرسبرج

لم يتردد الكرملين في توجيه اللوم إلى أوكرانيا بتدبير التفجير، الذي أودى بحياة المدون الروسي المؤيد للحرب على أوكرانيا فالدين تاتارسكي، في مقهى بمدنية سان بطرسبرج الروسية، وجرح 40 آخرين.

ولم يكن المسؤولون الأوكرانيون اٌقل حزمًا في التنصل من التهمة، وألقوا باللوم على "نزاع سياسي داخلي"، كون التفجير حصل على بعد ميل واحد فقط حيث تقيم الزوجة السابقة لبوتين في القلب التاريخي لمسقط رأس الرئيس الروسي. وغرد مستشار الرئيس الأوكراني ميخائيلو بودولياك إن "العناكب تأكل بعضها".
ويتساءل الكاتب في مجلة "بوليتيكو" الأمريكية جامي: أية رواية يتعين على المرء أن يصدق؟
ولاحظت كسينيا سوبتشاك في حسابها على قناة تلغرام أن "كل يوم في روسيا، هناك مسلسل من الإثارة".
وسوبتشاك هي ابنة أناتولي سوبتشاك المرشح الرئاسي السابق والذي كان أحد رعاة بوتين وأول رئيس بلدية لسان بطرسبرج بعد العهد السوفياتي، الذي يعيش في منفى اختياري، وهو يفهم أكثر من غيره، أن الأمور في روسيا بوتين نادرًا ما تبدو كما تظهر عليه.

الكرملين يكشف "سر" انسحاب كييف من محادثات السلام | سكاي نيوز عربية
الكرملين

ألكسندر دوغين

وعلى غرار تفجير السيارة المفخخة في أغسطس بضواحي موسكو الذي استهدف المعلقة داريا دوغينا ابنة ألكسندر دوغين الإيديولوجي القومي المتطرف، فإن لائحة الجناة طويلة. لكن إذا ما وضعنا ذلك جانبًا، فإن ثمة أمورًا قليلة مؤكدة أو موثوقة-على رغم الشريط الذي بثته الدوائر التلفزيونية المغلقة، وما تلاه من اعتقال مفاجئ لداريا تريبوفا (26 عامًا)، التي كانت تعمل حتى وقت قريب في متجر للألبسة القديمة.

وشوهدت تريبوفا وهي تسلم تمثالًا من الجبس لتاتارسكي، قال المحققون إنه كان محشوًا بمادة "تي إن تي" المتفجرة. وفي شريط فيديو وزعته السلطات الروسية، سمعت تريبوفا تقول إنها "جلبت التمثال" الذي انفجر إلى داخل المقهى، وأنها تفضل القول لاحقًا من طلب منها تسليمه للمدون. ولم يكن واضحًا ما إذا كانت تريبوفا تدلي بتصريحاتها تحت الإكراه.
والعام الماضي، كانت تريبوفا قد انفصلت عن زوجها وفق ما قال إثنان من أصدقائها اللذين تحدثا إلى "بوليتيكو"، وسجنت عشرة أيام بسبب احتجاجها على الحرب على أوكرانيا. لكن لأسباب كثيرة، لا تبدو أنها هي التي فجرت التمثال وشوهدت تغادر مقهى ستريت فود بار- الذي كان يملكه سابقًا رئيس مجموعة فاغنر شبه العسكرية يفغيني بريغوجين ويديره الآن صهره السابق- وأصيبت بالصدمة والدوار مثل آخرين أصابهم الانفجار.

داريا تريبوفا المتهمة بتفجير مقهى سان بطرسبرج

ويقول أصدقاء تريبوفا، الذين تحدثوا شرط إخفاء هوياتهم حتى لا يتعرضوا لتحقيقات من قبل شرطة مكافحة الإرهاب، إنهم لا يعتقدون أنها كانت تعرف بوجود القنبلة. وقال زوجها المنفصل عنها ديميتري ريلوف لوسائل إعلام روسية إن القتل ليس من طبع زوجته السابقة "وأنا واثق من أنه ليس في إستطاعتها فعل شيء كهذا بإرادتها".

الكرملين

لكن ذلك لم يمنع المسؤولين في الكرملين من رسم صورة لها كقاتلة، وذلك خدمة للأوكرانيين بالتعاون مع المعارضة المناهضة لبوتين. وقال الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، فقط بعد ساعات من ثاني عملية اغتيال على الأراضي الروسية لمؤيد بارز للحرب منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، إن "كييف تدعم الأفعال الإرهابية".
وقالت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب الروسية إن التفجير "كان من تخطيط الأجهزة الاستخباراتية الأوكرانية الخاصة"، مشيرة إلى أن تريبوفا كانت "داعمًا ناشطًا" للمعارض الروسي المسجون أليكسي نافالني.
واستبعد بريغوجين فكرة أن أوكرانيا لها يد في التفجير قائلًا:"لن أوجه اللوم إلى نظام كييف على هذه الأفعال". وافترض أن القتل نفذته "مجموعة من الراديكاليين"، لكنه أضاف بشكل غامض أن هؤلاء "بالكاد تكون لديهم ارتباطات بالحكومة"، مما أوحى بإحتمال وجود مثل هذه الإرتباطات.
وغذت ملاحظة بريغوجين تكهنات بأن جهاز الإستخبارات الروسي "إف. إس. بي." أو أي جهاز أمني روسي آخر، ربما تكون له يد في التفجير، من أجل توجيه اللوم إلى كييف ونافالني. وإستنادًا إلى هذه النظرية، فإن جهاز الإستخبارات الروسي لديه مصلحة في ضبط بريغوجين-من خلال تفجير مقهى مرتبط به، مما يبعث برسالة إليه كي لا يتمادى أكثر في هجماته على قادة الجيش الروسي.
ولم تستبعد مصادر أمنية روسية أن يكون قد تم توريط تريبوفا. ومع ذلك، تم توجيه الإتهام لها الثلاثاء، بأنها كانت تنقل بشكل غير شرعي، عبوة ناسفة بتوجيه من مجموعة منظمة.
وهذا يترك سؤالًا معلقًا: من هي هذه المجموعة؟ وهذا ما يعيدنا إلى دوامة الروايات.