رئيس التحرير
خالد مهران

محمود زايد: عيد الصحافة الكردية ذكرى لتاريخ طويل من الدعم المصري للقضية

الدكتور محمود زايد
الدكتور محمود زايد

 

قال الدكتور محمود زايد، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر والباحث المعروف في الشأن الكردي والعراقي والعربي، إن الاحتفال بعيد ميلاد الصحافة الكردية قبل 125 في القاهرة، مناسبة هامة لتذكر تاريخ طويل لمصر في دعم القضية الكردية، بدأ بطباعة وإصدار صحيفة "كردستان" في دار الهلال عام 1898 ولم يتوقف.


وأضاف زايد، خلال احتفالية أقامها مكتب الحزب الديموقراطي الكردستاني في القاهرة، مساء السبت، أن ديمومة الكتابة وترقِّي مستواها مرتبطٌ بنوعيتها ومدى قدرتها على اجتذاب ذهن وعقل ووجدان القارئ الكردي غير الكوردي، الذي يُقدّر الموضوعية والمهنية بما يخدم المصالح العليا للأمة، ولا يُجرّح في الثوابت والرموز الوطنية، التي لولا تضحياتها لما تَمَكّن الحُرُّ من قلمٍ يرسم به ما يدور ويتزاحمُ في خوالجه، ولا استطاع المهضوم أن يرفع صوته ورايته بحقوقه وطموحاته. 

 
وأشار زايد إلى أن الصحافة الكردية، التي انطلقت شعلتها الأولى من القاهرة في 22 أبريل/نيسان 1898، حينما قَدِمَ إليها سليلُ عائلةِ بدرخان الكوردية الشهيرة، «مقداد مدحت بدرخان»؛ فارًّا من الملاحقات التركية، ومن قساوة الاستبداد العثماني، ومن مظاهر تكميم الأفواه، ومحاربة الحقوق والآراء الحرة، اختار لها من بين دولِ العالم وبلدانه العديدة، مقداد بدرخان، مصر وحدها، لتكون وجهته وقبلته، قاطعًا إليها تلك المسافة الطويلة، متحملا مشاق السفر ومخاطر الطرق، إذ لم ير مقداد مدحت بدرخان منبرًا حرًّا لصوت شعبه ورسالته إلا منبرَ القاهرة، ينطلق منها الصوت الكردي المكتوب والمسموع إلى ربوع العالم بأمن وأمان. فمن القاهرة تعرّفَ العالم على قضية الشعب الكردي وحقوقه القومية، ومنها فُضِحت مظاهر وأساليب الاضطهاد والاستبداد العثماني آنذاك للقوميات غير التركية المنضوية قهرًا تحت لوائه. وعليه سجلت الأدبيات الكردية أنه بعد قضاء العثمانيين على الثورات التحررية الكوردية في منتصف القرن التاسع عشر لم يجد الوطنيون والقوميون الكرد سوى مصر ميدانًا لنضالهم السياسي والفكري والصحافي، معتبرين إياها بيئة مناسبة لهم في نشر قضيتهم وتعريف الأمم بغاياتها ومراميها. وهذا برهان من براهين حتمية التلاقي الكردي المصري عبر التاريخ.


وأوضح زايد أن النشاط الكردي في مصر، منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لم يقتصر على صحيفة «كردستان» فحسب باعتبارها أول صحيفة كردية، وإنما كانت هناك مظاهر أخرى عديدة تؤصّل لماهية الترابط المصري الكردي عبر التاريخ وعمق العلاقات بين البلدين، حيث كانت مصر بيئة خصبة للنشاط السياسي للكورد من خلال النوادي، والصالونات، والمنتديات، والجمعيات، والمدارس والمعاهد، والأزهر الشريف، ودور النشر، وغيرها.


وتابع: ففي أثناء إصدار أول صحيفة للكرد من القاهرة، صدرت من القاهرة أيضًا صحيفة أخرى نصف شهرية تحت اسم «أُوميد» عام 1900م كثاني صحيفة كوردية، وفي 1905م صدرت من القاهرة أيضًا مجلة «اجتهاد»، وكان صاحب امتيازها المثقف القومي الكردي الدكتور عبدالله جودت، واستمرت حتى 1910م، وبعد توقفها لسنوات صدرت جريدة «كردستان» مرة أخرى بين عامي 1917-1918م علي يد الأمير أحمد ثُريَّا بدرخان، وطُبعت في مطبعة أبو الهول بشكل وإخراج جديد، وبصفتها ناطقة باسم «جمعية استقلال كردستان» التي أًسسها صاحب امتياز الجريدة أيضًا عام 1917م. وتم العثور على 11 عددًا من الجريدة.


كما بُثت من القاهرة أول إذاعة كردية عام 1957م على عهد الرئيس جمال عبدالناصر، الذي استقبل في العام التالي الزعيم الكردي مصطفى البارزاني، مُعَبِّرًا عن تقديره واحترامه لحقوق الشعب الكردي ونضاله، ومن ثم توطدت العلاقات بينهما، وأصبح للثورة الكردية ممثل لها في القاهرة طيلة نضالها مع الأنظمة العراقية المتعاقبة.


واستطرد زايد: وعلى جانب موازٍ، كان لمصرَ الحظُّ الأوفر في مجال المطابع ودور النشر الكردية، ففي القاهرة كانت أول مطبعة للشعب الكردي باسم «مطبعة كردستان»، التي طُبعت فيها صحيفة «كردستان» بعدما طُبعت أعدادها الثلاثة الأُول في مطبعة دار الهلال، وفي عام 1900م أُسست مطبعة «التمدن» في مصر لصاحبها إبراهيم رمزي بك الكوردي، وفي عام 1905م أُسست «مطبعة كردستان العلمية» بدرب المسمط بحي الجمالية خلف مسجد سيدنا الحسين (رضي الله عنه)، والتي ظلت تمارس نشاطها برئاسة صاحبها الشيخ فرج الله زكي الكردي حتى وفاته سنة 1937م، كما كان له مطبعة أخرى باسم «المطبعة الفاخرة»، وفي عام 1905م أسس الدكتور عدبالله جودت مطبعة «اجتهاد الدولية» بملك علوي بك، بشارع الشريفين بوسط البلد، واستمرت حتى 1911م، وكان لها مكتبة باسمها لتوزيع مطبوعاتها.


وقال زايد:  المتتبعين لعلاقة الشعبين المصري والكردي يلمسون بوضوح، كثيرًا مما يجمع هذين الشعبين في الأفراح والأتراح، في الهموم والمسؤوليات، في الطموح لمنطقة آمنة ومستقرة ومزدهرة، يتمتع فيها الجميع بالحقوق والحريات في ضوء احترام الدساتير والقوانين والأعراف الخاصة بكل دولة من دول المنطقة، معبرا عن تقديره للزعيم الكردي مسعود بارزاني ونضاله ودور مكتب الحزب الديمقراطى الكردستاني في القاهرة ومسؤوله شيركو حبيب في دعم سبل التواصل بين الشعبين.


و هنأ زايد أسرة الصحافة الكردية، متمنيًا لها مزيدًا من الرقي والازدهار، مختتما كلمته «نودُّ أن نقرأ عن قضيتكم من خلالكم لكي لا نكون ضحية لما ينشره خصومكم. نودُّ أن نسمعكم ونراكم من خلالكم لا من خلال غيركم».