هل ما يحدث في النيجر سينهي عصر الانقلابات العسكرية في إفريقيا؟
منذ الوهلة الأولى للإطاحة بالرئيس النيجري محمد بازوم على يد حراسه الشخصيين في 26 يوليو الماضي، أكد رؤساء أركان دول مجموعة "إيكواس" الخمس عشرة في أبوجا عاصمة نيجيريا تأكيد عزمهم على استعادة الديمقراطية في النيجر مهما بلغت التحديات.
وهددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» باستخدام القوة إذا لم تتم إعادة رئيس النيجر المخلوع إلى منصبه في غضون أسبوع واحد،.
وقال الجنرال كريستوفر موسى رئيس أركان الجيش النيجيري ورئيس قادة دفاع إيكواس: "قراراتنا ستنقل رسالة قوية عن التزامنا بالديمقراطية وعدم تهاوننا تجاه التغييرات غير الدستورية للحكومات وإخلاصنا في تحقيق الاستقرار الإقليمي".
وهذه هي المرة الأولى في السنوات الأخيرة التي تنظر فيها الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في استخدام القوة لاستعادة الديمقراطيات في البلدان التي تولى فيها الجيش زمام الأمور.
وقد استخدمت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا«إيكواس»، القوة في التاريخ الحديث لاستعادة النظام في الدول الأعضاء، وكان آخرها في عام 2017 في غامبيا بعد رفض الرئيس يحيى جامع التنحي بعد خسارته الانتخابات الرئاسية.
يقول الكثير من الخبراء والمراقبون، أن عدم اسقاط الانقلاب العسكري في النيجر وإعادة النظام الدستورى في هذا البلد الأفريقي الفقير، سوف يفتح الباب واسعا أمام المزيد من الانقلابات العسكرية في القارة السمراء، وهذا ما يجعل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس»، مصممة على اسقاط الانقلاب وإعادة الرئيس محمد بازوم لمنصبه، سواء باستخدام الطرق الدبلوماسية أو العقوبات الاقتصادية، وصولا إلى الخيار الأخير وهو استخدام القوة العسكرية.
ورغم أن فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية يفضلان حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية في العلن، إلا أنه في الكواليس يعملان على دعم أي تحرك عسكري محتمل من جانب «الإيكواس»، لا سيما في ظل تخوف الدولتين من تزايد النفوذ الروسي في المنطقة في حال نجاح الانقلاب.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية، إن باريس ستدعم بقوة جهود المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس»، لإحباط الانقلاب العسكري في النيجر.
وأكدت الولايات المتحدة دعم قرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية، للضغط على الحكومة الانتقالية في مالي للوفاء بتعهدها تجاه الشعب وإعادة البلاد نحو مسار الديمقراطية.
وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني، أن واشنطن تشيد بإجراءات قوية أعلنتها مجموعة إيكواس للدفاع عن الديمقراطية والاستقرار في مالي بعد قمتها الاستثنائية التي انعقدت أمس الأول.
وأضافت أن واشنطن تشارك المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا خيبة أملها العميقة، حيال عدم اتخاذ الحكومة الانتقالية إجراءات نحو تنظيم الانتخابات.
وجددت الولايات المتحدة حسب البيان، مخاوف إيكواس حيال التأثير المزعزع للاستقرار المحتمل لقوات مجموعة فاجنر المدعومة من روسيا في مالي.
وأعادت واشنطن التأكيد أن هذه القوات لن تجلب السلام إلى مالي، بل ومن شأنها أن تحول موارد الميزانية الشحيحة بعيدا عن الحرب التي تخوضها القوات المسلحة المالية ضد الإرهاب.
وأشارت افتتاحية صحيفة واشنطن بوست، إلى ما قاله وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أنه لا يمكن السماح لهذا الانقلاب بالبقاء، مؤكدا دعم أميركا الثابت لبازوم وإدانة الانقلاب.
وذكرت أن القانون الأمريكي يشترط قطع المساعدات عن البلدان المتلقية عند وقوع انقلاب عسكري فيها، ولكن هناك استثناءات في الحالات التي يعتبر فيها الأمن القومي الأمريكي.
وقالت إن النيجر لا ينبغي أن تحصل على استثناء من تطبيق هذا القانون عليها، لأن الاستثناء من المرجح أن يؤدي إلى تشجيع مدبري الانقلاب المحتملين في أماكن أخرى.
ودعت قائد الانقلاب الجنرال عبد الرحمن تياني ورفاقه إلى إدراك أن بلينكن لا يقدم تهديدا فارغا، وأن الولايات المتحدة بحاجة إلى الوفاء بوعدها، مضيفة أن قطع المساعدة، وخاصة الإنسانية، قد يكون صعبا، لكن يجب على واشنطن أن تدافع عن مبدئها القائل إنه لا يمكن الإطاحة بالقادة الديمقراطيين بالقوة، ولن يكون هناك عمل كالمعتاد مع النيجر حتى عودة بازوم إلى السيطرة الكاملة.
وعن أهمية الانقلاب في النيجر قالت واشنطن بوست إن النيجر، وهي دولة أكبر حجما من تكساس، غنية باليورانيوم ولكن سكانها من بين أفقر سكان العالم، وتشترك مع العديد من جيرانها الأفارقة في تاريخ من تدخل العسكريين في السياسة.
وأضافت أن النيجر تقع وسط منطقة الساحل شبه القاحلة غير المستقرة جنوب الصحراء الكبرى والتي أصبحت تُعرف للأسف باسم "حزام الانقلابات" في إفريقيا، إذ شهدت مالي وبوركينا فاسو المجاورتان مؤخرا أيضا سقوط حكومات ديمقراطية في انقلابات.
ونقلت الصحيفة عن تقرير صدر العام الماضي، وصفا لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن النيجر يقول إنها العمود الفقري للاستقرار في منطقة الساحل و"شريك أكثر انفتاحا ونشاطا مع الولايات المتحدة"، وتتعاون الدولتان ليس فقط في محاربة المتمردين ولكن أيضا في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في منطقة غير مستقرة إلى حد كبير، ومعالجة المشكلات التي تغذي عدم الاستقرار والاضطرابات.
روسيا ضد استخدام القوة العسكرية
في الوقت الذي لا تستبعد فيه «الإيكواس» والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا استخدام القوة العسكرية لاسقاط الانقلاب في النيجر، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، خلال مؤتمر صحفي، بأنه "من المهم للغاية منع تدهور الوضع، ونحن نعتبر ذلك مهمة ملحة لتنظيم حوار وطني لاستعادة السلم الأهلي وضمان تطبيق القانون والنظام".
وأضافت زاخاروفا: "نعتقد أن التهديد باستخدام القوة ضد دولة ذات سيادة لن يساعد في نزع فتيل التوتر وحل الوضع في البلاد".
وتابعت أن روسيا "تتوقع بذل جهود وساطة نشطة من خلال الاتحاد الأفريقي وغيره من المنظمات لمساعدة النيجر على التغلب على الأزمة"، مشيرة إلى أن روسيا تهدف إلى "زيادة تطوير مجموعة كاملة من العلاقات الثنائية ذات المنفعة المتبادلة مع النيجر".
أبرز الانقلابات العسكرية في إفريقيا خلال 10 سنوات
- الانقلاب العسكري في مالي في 22 مارس (آذار) 2012، عندما أطاح عسكريون بنظام أمادو توماني توري. وأقدمت «لجنة وطنية للنهوض بالديمقراطية وإعادة بناء الدولة» برئاسة الكابتن أمادو هايا سانوغو على حل المؤسسات.
- غينيا بيساو... في 12 أبريل 2012، أدى انقلاب عسكري إلى تعطيل العملية الانتخابية قبل أسبوعين من الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية. وخلع الانقلابيون بقيادة الجنرال أنطونيو إندجاي الرئيس ريموندو بيريرا ورئيس حكومته.
- بوركينا فاسو... في 17 سبتمبر 2015، وبعد أقل من سنة على سقوط بليز كومباوري الذي أطاحت به انتفاضة شعبية، أطاح انقلاب بالرئيس ميشال كافاندو، بقيادة وحدة نخبة من الجيش. وأعيد إلى مهامه بعد أسبوع، إثر اتفاق بين الجنود الموالين والانقلابيين.
- زيمبابوي... في 21 نوفمبر 2017، أُجبر الرئيس روبرت موغابي (93 سنة) – في حينه، الرئيس الأكبر سنًا في العالم - على تقديم استقالته بدفع من الجيش وحزبه وضغط الشارع، في ختام أسبوع من الأزمة، بينما كانت الجمعية الوطنية تبحث إقالته.
- مالي... في 18 أغسطس 2020، أطيح بالرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا بعد بضعة أشهر من أزمة سياسية. وأدى الانقلاب العسكري إلى فرض عقوبات دولية، رفعت بعد تشكيل حكومة انتقالية، بهدف تسليم السلطة للمدنيين خلال 18 شهرًا.
- تشاد... في 20 أبريل 2021، غداة وفاة الرئيس إدريس ديبي، أقدم مجلس عسكري انتقالي برئاسة نجل الرئيس الراحل محمد إدريس ديبي، الذي كان آنذاك قائدًا للحرس الرئاسي، على حل الحكومة والجمعية الوطنية. ومن ثم وعد ديبي «الابن» بمؤسسات جديدة بعد انتخابات «حرة وديمقراطية» في غضون سنة ونصف السنة. ولم يستبعد الجنرال ديبي في الآونة الأخيرة تمديد الانتقال 18 شهرًا ما لم تُستوفَ «بعض الشروط».
- مالي... في 24 مايو 2021، اعتقل العسكريون الرئيس ورئيس الوزراء بعد تعيين حكومة انتقالية جديدة أثارت استياءهم. وتم تنصيب الكولونيل آسيمي غويتا في يونيو (حزيران) رئيسًا انتقاليًا.
- غينيا... في 5 سبتمبر 2021، أطاح انقلاب عسكري بالرئيس ألفا كوندي. ووعد الانقلابيون بقيادة الكولونيل مامادي دومبويا بإجراء «مشاورات» وطنية بهدف تحقيق انتقال سياسي يوكل إلى «حكومة وحدة وطنية».
- بوركينا فاسو... في 23 يناير 2022، استولى عسكريون متمردون على القاعدة العسكرية في العاصمة واغادوغو، واعتقلوا الرئيس كريستيان كابوري. وفي 24 يناير، أعلن الجيش على شاشة التلفزيون أن كابوري قد عُزل من الرئاسة. وبعد الإعلان أعلن الجيش حلّ البرلمان والحكومة ووقف العمل بالدستور. وفي 31 يناير، أعلن المجلس العسكري إعادة العمل بالدستور، وتعين قائد الانقلاب المقدم بول هنري سانوغو داميبا رئيسًا مؤقتًا.