صبري الموجي يكتب: اتحاد كتَّاب مصر.. نَظْرَة يابلد!
في ندوة عن التسامح المجتمعي بين أبناء الشعب المصري، دُعيت إليها للمشاركة بكلمة في مقر النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، وقفتُ على عدة مشاهد بعضها يدعو للفرح، وبعضها يثير أشجانا وأحزانا، وينبش جروحا نتمني مخلصين أن تندمل.
أقول صادقا إنه برغم جهود مسئولي الثقافة بمصر لتضميد تلك الجروح وإزالتها، إلا أنها مازالت مُتقيحة، تُؤلم وتؤرق كلَّ مهتم بالثقافة في مصر.
وحتى تكونَ بدايةُ المقال بردًا وسلامًا، أستهلُه بمشاهد الفرح، التي كان أهمها العملُ بروح الفريق بين من التقيتُ من أعضاء مجلس الاتحاد تحت رئاسة الشاعر والكاتب المتميز د. علاء عبد الهادي، الذي يُعد مِظلة حقيقية، يلوذ بها أعضاء المجلس والنقابة لحل ما يواجهونه من مشكلات، وتذليل ما يجدونه من صعوبات؛ بفضل ما أوتي الرجلُ من حكمة صقلتها السنون، ومهارة إدارية جعلته وتجعله يُحسن الكلام، ويُجيد التصرف، إضافة إلى جهوده الجبَّارة لخدمة الاتحاد وأعضائه اعتمادًا على علاقاته الواسعة، وجرأته المُتزنة!.
ومن المشاهد الجميلة أيضا، حفاوة استقبال ضيوف الاتحاد، وشمولهم بالمحبة والود، التي تجعل الضيفَ صاحبَ مكان، وهذا ما ألفتُه مع الروائية د. رانية أبو العينين عضو المجلس رئيس لجنة التسامح المجتمعي، التي ما انفكت تتبادل معنا - قبل الأمسية - أطرافَ الحديث بود وترحاب، يشيان بأنها مثقفةٌ واعية، تقتفي خطي أستاذها د. علاء عبد الهادي - شفاه الله - وأعاده إلى مقره ليكمل ما بدأ من أجل النهوض باتحاد كتاب مصر.
ومن المشاهد الرائعة الالتقاء بأدباء حقيقيين، وشعراء مرهفين، فاضت شاعريتهم على قاعة الاجتماعات مقر الأمسية، فأدخلوا البهجة على النفوس بقصائد مجدولة بالصدق، تفيض شاعرية ودفئا، وأخص الشاعرة الواعدة آيات عبد المنعم، التي خرجت كلماتُها مُزدانة بمشاعر فيّاضة بالإحساس والدفء، والشاعر الدءوب روماني صبحي، الذي جمع إلى جانب الصنعة الشعرية، روحًا مُحبة تشمل الجميع، والشاعرة الموهوبة تغريد فياض ابنة لبنان الشقيقة، التي ألقت قصيدة عن لبنان الحبيب، كانت خلالها أشبه بفراشة رقيقة تأنس لرؤيتها وجمالها أعينُ الناظرين.
إضافة إلى وجود عدد من المثقفين الحقيقيين أبرزهم السيناريست الكبير إبراهيم محمد علي بحضرة الأزهري المستنير د. أحمد علي النادي مدير عام الوعظ بالجيزة.
أما عن مشاهد الأسي، والتي لن أخوض فيها؛ لكيلا أشوه جمال الصورة التي سبق ورسمتها، فتتمثل في قِدم المبني وحاجته إلي صيانة وتجديد، يتوافقان مع شموخه، وعبقرية مكانه، وباعتباره أيضا أحدَّ أهم صروح الثقافة والوعي بمصر.
وأقول بصوت عالٍ: إذا كانت الدولة ترعي مراكز الفنون، والمسارح، وقصور الثقافة، ودور السينما، والملاعب وغيرها الكثير والكثير، فإن اتحاد كتَّاب مصر منارة الثقافة والفكر بحاجة إلى رعاية حقيقية وجادة ليبقي مركزا للإشعاع والتنوير!.
المثلبة الثانية، والتي تُعد مشكلة عامة لا تخص الاتحاد وحده، بل تشمل معظم -إن لم يكن كل- مراكز الثقافة هي عزوفُ الناس عن الأمسيات والندوات الثقافية، التي تُنمي الفكر وترقي بالوجدان، ولهثهم وراء حفلات الرقص، التي تتكشف فيها البطون والصدور، وصالات سينما العنف والعري، التي تنحط فيها الأخلاق، وينحدر الذوق.. فهل من استجابة للقضاء على تلك المثالب لنعيد لمصرنا الغالية رونقها الذي كان؟!.
صبري الموجي - مدير تحرير الأهرام