سر غضب «المحامين» من تعديل قانون الإجراءات الجنائية بعد تصديق الرئيس عليه
أثار مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية، الذي ينظم الاستئناف على الحكم النهائي في نص تعديلاته، حالة من الجدل، خلال الأيام الماضية، خاصة بعد موافقة مجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي؛ عليه نهائيًا وتصديق الرئيس عبدالفتاح السيسي على هذه التعديلات.
وعلى الرغم من أن تعديلات قانون الإجراءات الجنائية الهدف منه تحقيق العدالة الناجزة، ويحمل في ظاهره بارقة أمل جديدة للمتهمين، ويأتي استحقاقًا للقاعدة الدستورية إن «المتهم بريء حتى تثبُت إدانته»، بمحاكمة عادلة تكون على درجتي تقاضي الأولى الحكم، والثانية الاستئناف.
التعديل ينظم الاستئناف على الحكم النهائي.. والبراءة ستصبح غير نهائية ويجوز الاستئناف عليها
إلا أن تعديل هذا القانون يحمل في باطنه سوءًا للمتهمين الحاصلين على البراءة؛ بأن يجوز الاستئناف على حكم البراءة، ويكون للنيابة العامة الحق المطلق في أن تستأنف على حكم البراءة؛ للثبوت، وبذلك يصبح حكم البراءة غير نهائي وفقًا لتعديل قانون الإجراءات الجنائية الجديد، فضلًا عن زيادة التكلفة التي يتكبدها المتهمون في الدرجة الثانية من التقاضي، من مصروفات وأتعاب محامين جديدة، ليعيد «الكرة» من جديد.
وأثارت المادة (375) في تعديل قانون الإجراءات الجديد؛ غضب المحامين، والتي تمثلت في أنه فيما عدا حالة العذر أو المانع الذي يثبت صحته يجب على المحامي سواء أكان موكلًا من قبل المتهم أم كان منتدبًا من قبل النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو رئيس محكمة الجنايات بدرجتيها أن يدافع عن المتهم في الجلسة أو ينيب محاميًا غيره وإلا حكم عليه من محكمة الجنايات بدرجتيها بغرامة لا تتجاوز ثلاثمائة جنيه مع عدم الإخلال بالمحاكمة التأديبية إذا كان لذلك مقتضى، وللمحكمة إعفاؤه من الغرامة إذا ثبت لها أنه تعذر عليه أن يحضر في الجلسة بنفسه أو أن ينيب عنه.
ويرى خبراء قانونيين، أن المادة (419 مكررًا9) تمثل ثغرة صعبة وظلمًا بائنًا للمتهمين في الجزء الأخير من المادة الخاص بأنه: إذا تخلف حضور المحكوم عليه أو وكيله بغير عذر عن الحضور في الجلسة المحددة لنظر استئنافه أو في أي جلسة تالية؛ تنتدب له المحكمة محاميًا للدفاع عنه وتفصل في الاستئناف، مستندين إلى أنه من الممكن أن يكون قد أصدر القاضي حكمًا على المتهم وفصل في الاستئناف بـ«الإدانة» في حين أن دليل براءته كان لدى المحامي؛ ولكن تعذر حضوره لتعرضه لحادث سير أثناء ذهابه إلى المحكمة، أو لأي سبب آخر منعه من الحضور أو من ينيب عنه دون تقديم عذر للمحكمة.
أعباء إضافية على المتهمين
وتعليقًا على ذلك، تقول الدكتورة صابرين أحمد مصطفى، المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، إن تعديل قانون الإجراءات الجنائية الذي ينظم الاستئناف في نص تعديلاته وإن كان في ظاهره خير عظيم للمتهمين؛ إلا أن في باطنه يحمل سوءًا للمتهمين.
وتؤكد المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، في تصريحات خاصة لـ«النبأ الوطني»، أن تعديل قانون الإجراءات الجنائية له شقين: الشِق الأول: أنه يمكن الاستئناف على الحكم النهائي في الجنايات، بمحاكمة عادلة تكون على درجتي تقاضي الأولى الحكم، والثانية الاستئناف على الحكم، وهذا هو الخير العظيم الذي يحمله هذا التعديل للمتهمين.
وتكمل: أما الشِق الثاني: أنه إذا حصل المتهم على البراءة؛ يصبح حكم البراءة غير نهائي وفقًا للتعديل الجديد، ويجوز الاستئناف عليه؛ لأنه للنيابة العامة الحق المطلق في أن تستأنف على حكم البراءة؛ للثبوت، وهو ما يحمله التعديل من سوء للمتهمين.
وتشير الدكتورة صابرين، إلى أن قبل التعديل في قانون الإجراءات الجنائية كان غير مسموحًا للنيابة العامة بأن تستأنف على أحكام البراءات، مؤكدة أنه كان يجوز للنيابة العامة أن تستأنف على الحكم بالإدانة فقط، وهو ما تم تعديله وأصبح الاستئناف على البراءة فقط، ولكن القانون في بدايته، وسوف يتم استكمال التعديلات خلال الجلسات اللاحقة بمجلس النواب، ففي مجمله هو في صالح الجميع ما عدا الأعباء التي يتكبدها المتهمون في زيادة نفقات جديدة بسبب الدرجة الثانية من التقاضي.
وتوضح أن هذا الأمر الخطير في تعديل قانون الإجراءات الجنائية الجديد يتمثل في زيادة النفقات والرسوم والمصاريف على المتهمين في حالة الاستئناف على الحكم الصادر ضده، حيث يتكلف المتهمون أتعابًا جديدة للمحامي؛ لكي يستكمل العمل على القضية في إجراءات الاستئناف في الدرجة الثانية من التقاضي، غير الأتعاب التي سبق أن دفعها للمحام في الحكم بالدرجة الأولى.
وتطرقت في حديثها إلى الجزء الأخير من المادة (419 مكررًا9) في التعديلات الجديدة من القانون؛ حيث وصفته بأنه يمثل «ثغرة صعبة»، خاصة أنه يجوز للمحكمة وفقًا للتعديل الجديد، أن تنتدب محاميا آخر لتفصل في القضية دون الرجوع للمحامي الأصيل، مؤكدة أنه إذا لم يمثل المحامي الأصيل في القضية أمام المحكمة، أو لم يأخذ باله بأن القضية قد نزلت في الرول المحدد للجلسة، يكون للمحكمة الحق في التصدي للقضية بأن تنتدب محاميا آخر لتفصل فيها.
وتوضح المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، أنه قبل التعديل كان إذا تعذر حضور المحامي، يمثُل عنه أمام المحكمة، أي محام زميل له، ويطلب التأجيل في القضية لحين حضور المحامي الأصيل؛ نظرًا لظرف عارض أو طارئ له، وكان يتم تأجيل القضية، إضافة إلى إجراءات أخرى، مؤكدة أن المحكمة حاليًا بعد التعديل الجديد لم تؤجل القضية، وتنتدب محام آخر لتفصل فيها، وتم حذف إجراءات عديدة بهدف تسريع الفصل في القضايا المركونة والمكدسة بالمحاكم؛ بسبب تأجيلها والفصل فيها أمام محكمة النقض.
واستطردت قائلة: «ويمثل الجزء الأخير من هذه المادة سالفة الذكر ظلمًا بائنًا للمتهمين، في حالة فصل المحكمة بإدانة المتهم، بعد تعذر حضور المحامي الأصيل في القضية أو من ينيب عنه، حيث يكون قد أصدر القاضي حكمًا على المتهم بـ«الإدانة»؛ في حين أن دليل براءته كان لدى المحامي؛ ولكن تعذر حضوره لتعرضه لحادث سير أثناء ذهابه إلى المحكمة، أو لأي سبب آخر منعه من الحضور أو من ينيب عنه دون تقديم عذر للمحكمة».
حلم طال انتظاره
من ناحيته، يرى المستشار أيمن محفوظ المحامي بالنقض، أن خروج تعديل قانون الإجراءات الجنائية بالقانون رقم 1 سنة 24، يمثل تحقيقًا لحلم طال انتظاره، خاصة بعد موافقة مجلس النواب نهائيًا على تعديل درجات التقاضي في الإجراءات القضائية بالنسبة للجنايات، ويمثل تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسي عليه طفرة في المحاكمات الجنائية.
ويؤكد المحامي بالنقض، خلال حديثه لـ«النبأ الوطني»، أن تعديل قانون الإجراءات الجنائية يأتي استحقاقًا للقاعدة الدستورية إن «المتهم بريء حتى تثبُت إدانته»، بمحاكمة عادلة تكون على درجتي تقاض الأولى الحكم والثانية استئناف.
ويضيف أن وجود محاكم استئنافية لأحكام الجنايات، يتفق مع مفهوم العدالة الذي يجعل من التقاضي على درجتين، وهذا من أهم المبادئ القضائية، وحق مكفول لكل المتقاضين بأن يكون له الحق في الطعن على الحكم الصادر ضده من أخطر محاكم الهيئة القضائية التي هي بطبيعتها أحكام تصدر في جرائم خطيرة وعقوبتها هي أكثر خطورة.
ويوضح أن العقيدة القضائية هي التي تسيطر على حكم المحاكم الجنائية ما دام كان له أثر في الأوراق أو يساند تلك العقيدة أدلة ثابتة في الدعوى، ولكن تلك العقيدة هي في النهاية عقيدة بشرية تحتاج إلى تأكيد لها، وقد تكون محل نظر محكمة أعلى درجة لتفصل فيها من جديد، إما بإقرار الحكم المطعون فيه أو بتأييده، أو تعديله وإبطال أثره، مشيرًا إلى أن محكمه الدرجة الثانية قد تقضي بالبراءة بعد الإدانة أو الإدانة بعد البراءة، أو تأييد الحكم المطعون فيه وتعطي فرصة لتدارك أي أخطاء أو إخلال بحقوق الدفاع لأي من الخصوم.
ويشير «محفوظ» إلى أن تعديل قانون الإجراءات الجنائية يهدف إلى تحقيق عدة أهداف منها: العدالة الناجزة، وتخفيف العبء على محكمة النقض، وكذلك وضع أفضل الضمانات للمتقاضين نظرًا لخطورة أحكام الجنايات وأثارها على المتهم والمجني عليه، مؤكدًا أن خير فعل لتعديل هذا القانون هو أنه نص على ان يكون تنفيذ هذا التعديل من اليوم التالي لصدوره.
ويكمل: «العنصر الزمني مهم للغاية في تحقيق العدالة، وهذا ما راعاه التعديل الجديد لقانون الإجراءات الجنائية، ويعد هذا التعديل طفرة لمنظومة العدالة وأثلج صدر كل المتقاضين والمحامين، فليس من حسن العدالة أن يصدر حكمًا بلا أي طعن بشكل طبيعي خلاف الطعن بالنقض الذي قد يستمر لسنوات قبل الفصل في موضوع الطعن، وأحيانا تصدر أحكامًا بالبراءة، ولكن بعد أن يكون المتهم قد أمضي فترة عقوبة في جريمة لم يقترفها، وتم تبرئته منها».
ويشير المحامي بالنقض، إلى أن مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية ينظم الاستئناف في نص تعديل قانون الإجراءات الجنائية، حيث تنص المادة (366) أن كل محكمة استئناف محكمة أو أكثر تشكل لنظر قضايا الجنايات، وتؤلف كل منها من ثلاثة قضاة برئاسة أحد نواب رئيس محكمة الاستئناف على الأقل، ويفصل في هذه القضايا على وجه السرعة.
وفيما يخص الإجراءات أمام محاكم الجنايات، يذكر «محفوظ» أن المادة (374) من تعديل القانون تنص على أن يكون تكليف المتهم والشهود بالحضور أمام محكمة جنايات الدرجة الأولى قبل الجلسة بـ10 أيام كاملة على الأقل، وفى الأحوال التي يكون فيها استئناف الحكم من النيابة العامة يكون إعلان المتهم بالاستئناف والحضور أمام محكمة الجنايات المستأنفة قبل الجلسة بـ10 أيام كاملة على الأقل، ولا تتصل المحكمة بالدعوى إلا بإعلان المتهم بأمر الإحالة.