«قتيل فى بيتى»..
خطط وطرق الأجهزة الأمنية فى كشف جرائم قتل ودفن الجثث داخل المنازل
«لا توجد جريمة مكتملة الأركان».. تلك هي القاعدة الذهبية التي وضعها رائد العلوم الجنائية أدموند لوكارد، فكل مجرم لا بد أن يترك أثرًا له بمكان ارتكاب جريمته أو على جسمه وملابسه لتكون هي دليل إدانته؛ وابتكر المجرمون طرقا جديدة لإخفاء جريمتهم ظنًا منهم أنها ستحول دون كشفها، كان من بينها دفن الضحايا بـ«الصبة الأسمنتية» أو أسفل البلاط.
من بين تلك الجرائم التي شغلت الرأي العام الفترة الأخيرة؛ كان حادث قتل طبيب الساحل ودفنه داخل عيادته أسفل السيراميك مرورًا بقتل «طالب الرحاب» ودفنه في حفرة بمطبخ شقة، ووضع والد خطيبته «الفحم والزلط والأسمنت» فوقها، ثم تبليطها بالسيراميك، ثم قتل ترزي لعشيقته في منطقة أرض اللواء وتقطيع جسدها لجزأين ودفنها أسفل ماكينة الخياطة بالمحل وصبّ أسمنت عليها، وأيضًا قتل مليونير ودفنه داخل «قبر أسمنتي» فوق سطح إحدى العمارات بمنطقة بولاق.
لماذا انتشرت طرق دفن الضحايا بهذا الأسلوب؟، وما الدلائل التي تشير إلى وجود جثة أسفل مصطبة الأسمنت، وما عمق الحفرة التي يصنعها المجرمون وإلى أي مدى سيكون حال الجثة بعد تحللها؟.. هذا ما ترصده «النبأ» في الملف التالي.
دفن طبيب الساحل
كشفت التحقيقات في واقعة طبيب الساحل المقتول داخل عيادة خاصة ودفنه بها من قبل المتهمين، أن المتهم الرئيسي في الواقعة «أحمد.ش» يعمل طبيب عظام بمعهد ناصر، اشترك مع متهمين اثنين آخرين وهما ممرض يعمل لديه، وصديقته وهي محامية، على استدراج المجني عليه، وتخديره، ومساومة أسرته على مبالغ مالية كفدية لإطلاق سراحه، لكنه توفي نتيجة الجرعة الزائدة من المخدر، فحفروا له حفرة عمقها متر داخل العيادة ودفنوه بها على طريقة قتل المذيعة شيماء جمال.
وأضافت التحقيقات أن أسرة طبيب الساحل المجني عليه، لاحظت تغيبه وعدم رده على اتصالاتهم، فحرروا محضر تغيب بقسم شرطة، وعلى الفور شرع رجال المباحث، في رحلة البحث عن الطبيب المتغيب، ورصدوا تحركاته، وقادهم خيط التتبع إلى عيادة الطبيب المتهم الأول.
ودلف رئيس المباحث وفريق من قسم شرطة الساحل إلى داخل العيادة المنشودة، ولم يجد المتهم الأول «أحمد.ش»، داخلها، وإنما وجد طبيبا آخر لا صلة له بالواقعة، وليس على دراية بالجريمة، فلم يبد أية معلومات تفيد رئيس المباحث، الذي شرع في التحرك داخل العيادة وفحصها حتى وقع بصره على بقعة أسفل سجادة على الأرض، يختلف لونها عن لون الأرض.
ولم يتوان رجال المباحث في الحفر أسفل هذه البقعة، حتى حدثت المفاجأة، وعثر على جثمان الطبيب داخل هذه الحفرة على عمق متر من سطح الأرض، والجثة لم تتعفن بعد، وليس بها آثار تعذيب، وهنا تكشفت الجريمة، وتمكن رجال المباحث من القبض على المتهمين الذين اعترفوا بجريمتهم، وأنهم استدرجوا الطبيب بواسطة المتهمة الثانية وهي المحامية، وحاولوا احتجازه تحت تأثير المخدر وطلب فدية من أسرته.
حفرة فى المطبخ
واقعة مقتل طالب الرحاب أعادت إلى الاذهان القصة الشهيرة لقتل النساء ودفنهن في حفر داخل المنزل علي يد «ريا وسكينة» عام 1920.
ومع اختلاف الأزمنة، تمكنت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية عام 2018، من ضبط المتهمين باختطاف طالب الجامعة البريطانية وقتله ودفنه أسفل حفرة داخل شقة بمدينة الرحاب بالقاهرة.
وبدأت الأجهزة الأمنية في تشكيل فريق بحث، لكشف جريمة طالب الرحاب، حيث تم تتبع خط سير طالب الرحاب وإعادة استجواب شقيق قتيل الرحاب، حيث نفى واقعة تلقيه اتصالًا هاتفيًا بخطف شقيقه، وعلل ذلك لرغبته في تكثيف الجهود الأمنية للبحث عن شقيقه، حيث تبيّن عقب البحث والتحري أن وراء غيابه «أشرف.ح.ع»، 52 سنة، كيميائي سابق، وابنته «حبيبة» 20 سنة، طالبة، وخطيبة القتيل.
وتبيّن من التحقيقات أن المتهمة «حبيبة» استدرجت خطيبها بسام أسامة المعروف إعلاميًا بـ«قتيل الرحاب»، بعد الاتفاق مع والدها المتهم الأول بدعوى التنزه، وعقب ذلك اصطحبت خطيبها القتيل للشقة مكان الجريمة، وفور وصوله شل المتهم الأول وباقي المتهمين حركته بتكبيل يديه وقدميه، وعقب انصراف باقي المتهمين خنفه المتهم الأول حتى فارق الحياة ثم تخلص من الجثة ومتعلقات المجني عليه، داخل الحفرة السابق الإشارة إليها بمطبخ الشقة، محل الواقعة، ثم وضع عليها الرمال وأحضر عمال لتركيب سيراميك بمكان التخلص من الجثة، وأنه تخلص من هاتف المجني عليه بإلقائه بالطريق العام.
وطبقا لاعترافات الأب القاتل، أكد قيامه باقتياد الشاب بسام كما هو بملابسه باتجاه المطبخ ومن ثم إلقائه داخل الحفرة المعدة له، وعقب ذلك ألقى الأب شوال الفحم بأكمله علي الجثة لمنع انبعاث الرائحة، وقام بردم الحفرة بالرمال والأسمنت، ومن ثم إعادة السيراميك مرة أخرى فى مكان دفن الجثة.
ترزي يقطع جسد عشيقته
حالة من الذعر انتشرت بين سكان الشارع الذى شهد مقتل ربة منزل على يد ترزى بمنطقة أرض اللواء فى العجوزة، بسبب بشاعة الجريمة التى سدد خلالها المتهم طعنات للمجنى عليها، ثم واصل جريمته بتقطيع جثتها لنصفين، وصنع مقبرة بالمحل الخاص به بعمق 5 أمتار ودفن الجثة بها، ووضع كمية من الأسمنت والسيراميك عليها.
وتم الكشف الجريمة بورود بلاغ لقسم شرطة الهرم من أسرة المجنى عليها يفيد تغيبها عن المنزل وغلق هاتفها المحمول، وذكر أفراد أسرتها أنهم أجروا اتصالا بها قبل غلق الهاتف فأجاب أحد الأشخاص على الاتصال وأخبرهم أن المجنى عليها أصيبت فى حادث تصادم أعلى الطريق الدائرى وتم نقلها إلى المستشفى ثم أغلق الهاتف.
على الفور بدأ رجال المباحث فى إجراء التحريات، حيث تم التواصل مع هيئة الإسعاف للاستفسار عن الحادث، وتبيّن عدم صحة الواقعة، مما أثار الشبهات حول اختفائها.
وكشفت التحريات التى شارك بها المقدم محمد الصغير رئيس مباحث قسم شرطة الهرم، ومعاوناه الرائدان مصطفى لاشين وأحمد صبرى من خلال فحص المكالمات الهاتفية التى تلقتها الضحية قبل اختفائها، عن هوية المجنى عليه المقيم بمنطقة أرض اللواء، حيث أكدت المعلومات ارتباطه بعلاقة عاطفية بها، وأشارت التحريات إلى تورطه فى قتل المجنى عليها.
وبالحصول على إذن من النيابة تم إعداد كمين للمتهم والقبض عليه، وبمواجهته وتضييق الخناق عليه اعترف بقتل المجنى عليها وتقطيع جثتها ودفنها بالمحل الخاص به، فحرر محضر بالواقعة، وأمرت النيابة بتشريح الجثة والتصريح بدفنها، وباشرت التحقيق.
قتل المليونير
واستيقظ أهالي شارع ترعة عبد العال، بمنطقة بولاق الدكرور، في جنوب محافظة الجيزة، على صوت سارينة دورية شرطة تجوب المنطقةـ وبعد لحظات توافدت قيادات أمنية واستخرجت جثمان «يوسف.أ»، 37 سنة، مهندس ديكور، من داخل قبر أسمنتي فوق سطح إحدى العمارات، وتركت الأهالي في حيرة من أمرهم.
وقبل ذلك بأيام، تقدمت أسرة مهندس الديكور، الذي يمتلك شركة مقاولات بمنطقة الهرم ببلاغ إلى قسم شرطة الهرم لتغيبه عن منزله منذ عدة أيام.
بتقنين الإجراءات اللازمة تم فحص علاقات المهندس، ومدى وجود خلافات له مع آخرين من عدمه، كما تم فحص سجلات هواتفه المحمولة والمكالمات الأخيرة التي أجراها بالتزامن مع اختفائه.
وعمم فريق البحث نشرة بأوصاف سيارته ماركة «BMW X3»، وتوصلت التحريات إلى مكان تواجد السيارة برفقة شابين أحدهما يسمى «تامر.ع.س»، 35 سنة، عامل، وشهرته «منازع»، والذي سارع بإظهار عقد بيع من مالكها مهندس الديكور إلا أن جهات الأمن اكتشفت تزوير العقد، بالإضافة إلى وجود مكالمات بين الشابين والمهندس قبل ساعات قليلة من تغيبه فألقت القبض عليهما للاشتباه بهما.
ومع تضييق الخناق عليهما، اعترف «منازع» وشريكه «محمد.أ.خ» 28 سنة، عامل، بقتلهما المهندس ودفنه في «قبر أسمنتي» فوق سطح عمارة مكونة من 11 طابقا ملك والد المتهم الثاني.
وقال المتهم الرئيسي «محمد» في اعترافاته أمام النيابة، إنه استعان بصديقه «منازع» وخطط معه لاستدراج مهندس الديكور على أحد المقاهي بشارع الهرم، معقبًا: «قلت له في مهندس معرفة كدا معاه عربية بأزيد من مليون جنيه وموبايلات غالية، ممكن نجيبه وناخدها منه ولا من شاف ولا من دري».
بدأ المتهمان في تنفيذ مخططهما لسرقة المهندس، ومراقبة تحركاته ورصدا مواعيد وصوله إلى شركة المقاولات التي يمتلكها حتى حددا يوم الجريمة واتصل المتهم الرئيسي بالمجني عليه هاتفيا واستدرجه بحجة التفاوض معه على عمل في مجال المقاولات والإنشاءات ولسابقة معرفته به.
وفي ساعة متأخرة من الليل، وصل المهندس إلى المتهمين اللذين استدرجاه إلى شقة فارغة بالعمارة، وأطلق أحدهما عليه رصاصة من مسدس كاتم للصوت اخترقت رقبته فأردته قتيلا ثم حملا جثته، وصعدا إلى الطابق الحادي عشر، ووضعا الجثة على «باصطة السُلم»، وصبا الخرسانة عليها حتى تحولت إلى مقبرة أسمنتية.
وما أن انتهى المتهمان من اعترافاتهما، حتى اصطحبتهما قوات الأمن إلى مكان الجريمة، عقب التنسيق مع مباحث بولاق الدكرور واستخرجت الشرطة جثمان المجني عليه في حضور النيابة العامة، والتي أسفرت مناظرتها عن حدوث حالة تعفن رمي للجثة لمرور عدة أيام على الوفاة.
سفاح الجيزة
سفاح جديد ظهر منذ عدة سنوات في بولاق الدكرور وارتكب جرائم قتل وسرقة ونصب وانتحال صفة ووصل عدد ضحاياه 4 قتلى.
بدأت قصة إجرام القذافى من عام 2015 عندما أقنع صديق طفولته المهندس رضا الذى يعمل فى إحدى دول الخليج، عمل توكيل عام له فى مصر حتى يستثمر أمواله فى سلسلة مكتبات، بعدها اكتشف رضا خيانة صديق العمر له، فواجهه وطالبه بأمواله، بكل هدوء أخبره قذافى أن خلافاتهم يمكن حلها وديا ودعاه لشقته فى بولاق الدكرور لتناول الطعام.
المهندس رضا لبىّ الدعوة ولم يتخيل للحظة أن صديق عمره سيقدم له طعاما مسمومًا، ثم سيدفنه فى نفس الشقة، ولإبعاد شبهة الجريمة عن نفسه أرسل رسالة إلى أهل القتيل من هاتفه نصها «إلحقونى أنا اتقبض على».
من يقتل صديق عمره يفعل أى شىء آخر، وهذا ما خشته زوجة قذافى بعد اكتشافها جريمته، لذا لم يتوان عن قتلها بالسم أيضًا بعد وضعه فى العصير، ثم خبأ الجثة فى «ديب فريز» بشقتهما فى الهرم، ونقلها إلى شقته فى بولاق ودفنها بجوار صديقه.
تمر الأيام ويقرر «قذافى» خطبة فتاة أخرى، وفى الوقت نفسه وقع فى علاقة غرامية مع اختها التى هددته بفضح علاقتهما معا، ليستخدم نفس الطريقة فى قتلها، ودفنها فى مقبرة شقة بولاق أيضا، الأغرب أنه أقنع أهلها أنها هربت مع مخرج إلى دبى لتعمل فى مجال التمثيل، ثم تزوج شقيقتها كما كان مخططًا له، وبعدها انفصل عنها
إجرام قذافى لم يقف عند هذا الحد بل زور أوراقا ثبوتية بشخصية الصديق المقتول وعاش باسمه وأصبح المهندس رضا ثم سافر إلى الإسكندرية لبدء حياته الجديدة، وفتح هناك محل أدوات كهربائية.
وكانت تعمل لديه سيدة فى المحل، وبطريقته المعتادة أقنعها بحبه لها، وطلب منها 45 ألف جنيه، وبالفعل منحته المبلغ، وبعد فترة شعرت أنها مجرد لعبة فى يديه وطالبته بأموالها، أخبرها أنه أشترى بالمبلغ بضاعة، وإذا رغبة يمكنها الحصول على تلك البضاعة إذا حضرت للمخزن، وعندما ذهبت لنيل حقها، قتلها ودفنها أيضا فى نفس مقبرة بولاق.
ورغم براعة هذا السفاح فى ارتكاب الجرائم وعدم ترك أى أدلة خلفه تكشف هويته، إلا أنه سقط بعد سنوات فى قبضة أجهزة الأمن عن طريق المصادفة، فقد تزوج من دكتورة صيدلانية، وبعد فترة دخل فى خلافات معها وطلبت الطلاق فقرر سرقة فيلا والدها وبالفعل سرق منها ذهبا وأموالا وعندما تعقب الأمن السارق بالكاميرات اتضح أنه زوج الابنة، ليتم القبض عليه والحكم بسجنه عام.
فى هذا الوقت كان أهل المهندس رضا يبحثون عنه، وقد ظهر اسمه أخيرًا على ذمة قضية سرقة فى الإسكندرية، وعندما ذهبوا لرؤيته اكتشفوا أنه صديق الطفولة «قذافى»، هو من انتحل اسمه وقتله، ومن هذا الوقت بدأت ملابسات جرائم هذا القاتل المتسلسل تظهر أمام الجميع، وكأن صدفة خير من ألف دليل.
ألاعيب القتلة
من جانبه، يرى اللواء محمد صادق، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن اللجوء لمثل هذه الطريق يرجع لتفادي التحرك بالجثة من أجل إخفائها، فيقول إن تقدم وسائل الاتصال والرصد، وانتشار الكاميرات في الشوارع وأمام أغلب المحلات، بجانب وجود الهواتف المحمولة المزودة بكاميرات في أيدي الناس؛ أدى كل ذلك إلى صعوبة نقل المجرم لجثمان ضحيته خارج مسرح الجريمة.
وتابع «صادق»: «دلوقتي أي منظر مش طبيعي الناس بتروح مصوراه، فيقام عليه الدليل من واحد ميعرفوش خالص أو من كاميرا في الشارع»، مشيرًا إلى أن جرائم كثيرة تم التوصل لمرتكبيها بتلك الطريقة.
دلائل تكشف وجود الجثث
وقال مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن مسرح الجريمة هو مستودع سرها، ومن بين الدلائل التي غالبًا ما يزخر بها مكان الحادث هى:
- خروج رائحة الجثة الكريهة والديدان واليرقات والذباب من المصطبة؛ إذا كان عمق الحفرة الخرسانية بسيطًا بحد أقصى 2 متر، لكن تلك الآثار تختفي بعد ذلك العمق، فيما تستطيع الكلاب البوليسية شم رائحة الجثمان حتى لو كان على بعد عدة أمتار.
- ملاحظة الآثار المادية الموجودة؛ أمر هام خلال معاينة مسرح الجريمة، حسب مساعد وزير الداخلية الأسبق "زي بلاط صبته حديثة واللي جنبه قديم، أو فيه جزء بالأسمنت معمول جديد، والتغيير في الحيطان والأرضيات، ولو فيه أماكن طلاؤها حديث، كل هذا كفيل بأن يلفت الانتباه.
وأكد مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن أفراد الأمن على يقظة تامة ويحرصون على قوة الملاحظة خلال معايناتهم مسرح الجريمة، وخاصة بعد أن استخدم المجرمون حيلا جديدة لإخفاء جثث ضحاياهم، لذلك يركزون على ملاحظة الآثار المادية الموجودة (سالفة الذكر)، متابعًا: «فمثلًا عند معاينة مكان ما مثل حديقة، يدققون النظر في أطوال النباتات الموجودة بنشوف لو فيه جزء من النباتات أقصر من اللي جنبه، فبنضطر نفحص الجنينة ونحفر وندور على الجثة، من طول النباتات بنعرف عمر الدفن والميت اتقتل أمتى».
ويضيف اللواء محمد صادق، أنه بعد عمل التحريات الأمنية حول اختفاء الشخص، والتأكد إن الضحية لم يغادر مكانًا ما «إن الشهود يقولون إحنا ماشوفناهوش خرج من المكان ده، أو الكاميرات تثبت كده»، عقب ذلك يبدأ البحث عن أي آثار مادية موجودة، ويبدأ أفراد الأمن في وضع كل الاحتمالات الممكنة، يكون من بينها التخلص من الجثة بدفنها أسفل مصطبة أسمنتية مثل ما حدث في جريمة قتل جمال خاشقجي، بعد ما تأكدوا من عدم خروجه من السفارة.
الأسمنت وعلاقته بالتحلل
ويقول الدكتور مصطفى فودة، كبير الأطباء الشرعيين الأسبق، إن المجرمين يعتقدون أنهم بذلك يخفون جريمتهم بالكامل وأن الصبة والأسمنت تحافظ على الجثة من التحلل أطول فترة مقارنة بدفنها في المقابر العادية أو إلقائها في الطل بالشارع، متابعًا: «عشان مفيش هواء بيوصلها فالبكتريا مبتشتغلش»، لافتًا إلى أنها تشابه طريقة القدماء المصريين في دفن جثث موتاهم عن طريق وضعها في الجبس للحفاظ عليها.
واستكمل «فودة»، قائلًا: «غالبًا يحفر المجرم حفرة بعمق بسيط تسع لدفن جثمان ضحيته، تتراوح بين 60 لـ80سم، حسب بتبقى على وش الأرض، يدوب يغطيها بالتراب، بعدها يضع الجثة ويصب عليها الخرسانة أسمنت وزلط، وقد يلجأ إلى استخدام الفحم اعتقادًا منه أنه يطمس الرائحة، كذلك يمكن أن يقوم بالتبليط فوقها».
وأضاف كبير الأطباء الشرعيين الأسبق، أن الجثة توضع في الحفرة بحجم معين، لكن بعد تحللها فإن سوائل التعفن يمكن أن تؤدي لانتفاخ أو انكماش الجثمان، معقبًا: «فبالتالي بتقلّع وتقلقل البلاط من مكانه وبيكون فيه مسافات».
تحليل الـDNA
واستكمل «فودة»: «يعتقد الجاني أن دفن ضحيته بتلك الطريقة لن يؤدي إلى خروج رائحتها، ولن يعلم أحد بجريمته، ويضيف أنه على العكس فإن تلك الطريقة تفيدهم كثيرًا كأطباء شرعيين في تحديد تاريخ الوفاة؛ لأن أجزاء كثيرة من الجثة تظل محتفظة بهيكلها، والعضم إذا ظل 100 سنة مدفونًا تحت الأرض يمكن تحديد هوية صاحبه عن طريق تحليل الـ«DNA».
وتابع: «إذا تشكك أفراد البحث في تواجد المجني عليه بمكان معين وعدم خروجه منه، قد يلجأون لتحليل الـDNA من مكان الدفن».
اختتم كبير الأطباء الشرعيين الأسبق، حديثه قائلًا، إن الـ«DNA» شيء دقيق جدًا ويمكن من خلاله اقتفاء أثر الجثمان حتى لو تم دفنه بعمق كبير أو التخلص منه بإذابته بحمض الكبريتيك.
وسائل الإعلام والأفلام متهم رئيسي
ومن جانبه، يقول الدكتور جميل صبحي، أستاذ الطب النفسي، إن طريقة إخفاء الجريمة تختلف حسب ثقافة ورؤية الجاني.
وأشار «صبحي» إلى أن معظم المجرمين حاليًا يشاهدون وسائل الإعلام المحلية والعالمية ويشاهدون أفلامًا ويقرؤون روايات تتناول طريقة دفن جثة الضحية بالأسمنت، فيستمدونها منها ويقومون بتنفيذها، مثل الحوادث الأشهر عبر التاريخ لريا وسكينة.
واختتم حديثه قائلًا: «ممكن يكونوا خدوا الفكرة منهم، في الأول جرايمهم مكنتش بتتعرف لكن على المدى طويل بدأت تكتشف».