الدكتور محمد حمزة يكتب: المتحف الكبير والتغير الوزاري
مش عارف ليه كلما يحن أو يعلن عن إجراء تعديل أو تغيير وزاري مرتقب يهل علينا العديد من القيادات العليا والصغرى عبر وسائل الإعلام المختلفة وعلى صفحات الوزارات والمؤسسات والمجالس والهيئات والجامعات وعلى مواقع التواصل بسيل منهمر من الأحاديث والأخبار والرؤى والصور من أجل ركوب التريند وأخذ اللقطة والشوا ليثبت مدى جديته وربما نبوغه وعبقريته وبالتالي صلاحيته وأهليته ليشغل أو يكن له نصيبا في التعديل المزمع؛ وتكمن خطورة هذا الموضوع عندما يتعلق الأمر بتاريخ وأثار وتراث مصرنا الحبيبة عامة والمسجل منها على قائمة التراث العالمي باليونسكو خاصة وتأتي على رأسها هضبة الجيزة بأهراماتها الثلاثة خوفو وخفرع ومنكاوو_رع والتي تتسم بالأصالة والعراقة والقدم والتميز والتفرد والمكانة ومن ثم لايجوز إطلاق أي مشروع عن أي منها إلا بعد دراسات متأنية دقيقة وعميقة في ضوء القوانين والمواثيق والمؤتمرات والتوصيات الدولية ومنها ميثاق البندقية (فينيسيا) 1964م ومؤتمر نيروبي 1976م وميثاق لاهور1980م وميثاق بورا1981م وميثاق واشنطن 1987م وميثاق لوزان 1990م ووثيقة نارا للأصالة 1994م وغير ذلك؛ فضلا عن الدراسات ذات الصلة والتجارب السابقة؛ ويضاف إلى هذا وذاك الفهم العميق والإدراك الواسع للمصطلحات المعنية بقيم المواقع الأثرية وأنواعها وبالحفاظ وأساليبه وتصنيفاته ومستوى التدخل طبقا للحالة والغرض؛ وكذلك ما يتعلق بالصيانة والترميم والإزالة والدمج والإكمال والاستكمال والحماية والحلال والفك والنقل والتركيب وإعادة البناء أو الإنشاء وكيفية التمييز بين القديم والجديد أو المضاف وغير ذلك مما يطول شرحه وتفسيره.
ولو طبقنا ذلك على ما أشار إليه الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بخصوص مشروع القرن وهدية مصر للعالم تزامنا مع قرب افتتاح المتحف الكبير؛ وهذا المشروع يهدف إلى إعادة تركيب البلوكات الجرانيتية على هرم منكاوو رع وكسائه بها بدلا من عريه؛ وبالتالي سيتمكن العالم من رؤية الهرم بكسوته الجرانيتية كما بناه المصري القديم؛ وسوف ينفذ المشروع بعثة مصرية يابانية مشتركة برئاسة الأمين العام من مصر ود يوشيمورا ساكوجي من اليابان خلال فترة من سنة إلى ثلاث سنوات ويتحمل الجانب الياباني كل التكلفة كما صرح الأمين العام في أكثر من موضع.
وهنا تثور عدة تساؤلات مهمة،
- لماذا الإعلان عن هذا المشروع في هذا التوقيت بالذات؛؛ وما هي تفاصيل المشروع ودراسة الجدوى والدراسة الاستشارية ومن سيقوم بهذه وتلك؛؛ وهل سيتم عرض المشروع على اللجنة الدائمة (مثل المشروعات السابقة ومن بينها تقليص مساحة هرم ميدوم؛ وبناء مسرح مكشوف على ثلثي حرم سور مجرى العيون من الداخل؛ ومشهد ال طباطبا وغير ذلك) أم سيعرض على لجنة من الخبراء والمختصين من غير المتعاونين مع المجلس وقطاعاته!
- أين السيد وزير السياحة والآثار وهل له علاقة بالمشروع أم لا؛ واين دوره لا سيما وهو المسؤول الأول في الوزارة ورؤيتها وخططها ومشروعاتها؟
- أين د زاهي حواس من هذا المشروع ولماذا صمت ويصمت حتى الآن وهو قد قضي جل حياته الوظيفية الأولى في الهرم حتى عرفت واشتهرت باسمه (زاهي لاند) ومن ثم فهو يعرف كل كبيرة وصغيرة بالمنطقة.
- أليس الدكتور يوشيمورا ساكوجي هو رئيس البعثة اليابانية المكونة من24 شخصاعام1978م التي أرادت بناء هرم بجوار أهرام الجيزة بإرتفاع20م تقلصت الي10م ولكن التجربة فشلت بكل المقاييس والمعايير وبالتالي هل هذا المشروع الجديد بهرم منكاوو ع هو تجربة يابانية جديدة لتعويض الفشل السابق بنجاح مضمون هذه المرة من وجهة النظر المطروحة حتى الآن.
هل هذا المشروع يهدف في جانبه غير المعلن والمستتر إلى اكتشاف مراكب الشمس لا سيما وان المرحوم د أحمد فخري كان قد أشار إلى أن المناطق الواقعة إلى الشمال والي الجنوب من هذا الهرم لم تحفر حفرا علميا منظما ومن الممكن إنه مازالت هناك تحت أكوام الرديم أثار أخرى وربما من بينها حفرات السفن وهي تنتظر اليوم الذي يتم فيه الكشف عنها (ص204) وبالتالي هذا المشروع في ظاهره تركيب الكسوة الجرانيتية وفي باطنة إكتشاف المراكب ولكن لم يتم الإعلان عنها حتى الآن ربما لعدم التأكد من وجودها لحين يتم إكتشافها وربما يكون ذلك هو الهدف الخفي السري المستتر من إطلاق مصطلح مشروع القرن وهدية مصر إلى العالم لإنه.
في حالة تحقيق هذا الاكتشاف يكون فعلا مشروع القرن وهدية مصر للعالم؛ وعند د محمد عبدالمقصود الأمين العام سابقا تفاصيل عن هذا الموضوع سوف يكتبها في بوست خاص به.
هذا ومن المعروف أن هذه الكسوة الجرانيتية كانت تشغل 16مدماكا (صفا أو سافا) من قاعدة الهرم ولم يتبق منها سوي7مداميك وهو ما تشير إليه الصور المنشورة في هذا البوست أو المقال؛ وهناك كتل جرانيتيةمتناثرة ومتساقطة في محيط الهرم وهي التي سوف يتم إعادة تركيبها وفقا لتصريحات الأمين العام؛؛
وبالرجوع إلى الدراسات المعروفة والمهمة للهرم ومحيطة وأثار منكاوو رع ومجموعته بذات المنطقة لكل من برتون وبرنج وفيز وريزنر وبورخارت وإدواردز وأحمد فخري وغيرهم نجد أن هناك نوعين من كتل الجرانيت الأول مهذب ومصقول والآخر غير مهذب وغير مصقول وهو الأمر الذي إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه الكتل كانت تأتي من المحاجر وتوضع في هذا المكان كما هي غير مصقولة ثم يتم صقلها وتسويتها وتهذيبها بعد أن توضع في موضعها من البناء كل في المد ماك الخاص بها؛ وبالتالي فإن كسوة هذا الهرم لم تتم في حياة منكاوو رع نفسه ولا حتى في عهد ابنه وخليفته شبسسسكاف الذي أكمل ما لم يتم في عهد والده والدليل على ذلك هو تلك الكتل المتناثرة والمتساقطة الباقية في محيط الهرم على نفس حالتها التي جئ بها من المحجر أي دون تسوية وتهذيب وصقل لأنها لم توضع أصلا في البناء ليتم لها ذلك كمثيلاتها التي لاتزال باقية في المداميك الستة هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى فإن هيرودوت قد ذكر عام 448 ق م أن الكسوة الجرانيتية تصل إلى نصف ارتفاع الهرم أي أنه لم يكن مكسيا بكامله منذ منتصف القرن 5ق م؛ وبما أن الارتفاع الأصلي للهرم يبلغ ستة وستين مترا ونصف المتر أي أن ال16مدماكا الجرانيتية التي رجح العلماء أنها كانت تكسو الهرم لم تكن تقل عن30م من قاعدة الهرم وهو ما يتطابق مع قول هيرودت؛ وبالتالي كيف يصدر عن الأمين العام قوله ان العالم سوف يتمكن من رؤية الهرم بكامل كسوته كما بناه المصري القديم وهو لم يكن مكسيا بكامله؛ كما أنه لاتوجد إشارة واحدة لذلك ولاتوجد صورة قديمة له بذلك أيضا.
كذلك فإن الكتل المتناثرة لم تكن تخص الهرم وحده بل مجموعة الملك منكاوو رع وعلى رأسها المعبد الجنائزي والذي ما تزال توجد كسوة منها خلف هيكل المعبد وبالتالي كيف نميز بين ماكان منها للهرم وماكان منها للمعبد وغيره من بقية المجموعة.
وعلى ضوء ماتقدم ماهي الضرورة الملحة والأهمية المتعاظمة والأولوية القصوى والجدوى المتتظرة من تنفيذ مثل هذا المشروع لا سيما وان كمية الكتل المتناثرة حتى لو ثبت إنه ا تخص كسوة الهرم لن تكفى لتنفيذ المشروع (سواء الهرم كاملا أو جزءا منه حتى منتصفه على الاقل كما أشار هيرودت) وبالتالي هل سيتم جلب كتل أخرى وعلى أي أساس؛؛؛ وكيف. يمكن التمييز بين الأصلي وغير الأصلي؛ وبالتالي كيف ستكون الصورة النهائية لهذا الهرم وهو المسجل على وضعه الحالي في الذاكرة التاريخية والبصريةو السياحية والثقافية الاعلامية والدرامية؛ وعلى قائمة التراث العالمي؛؛؛ اتركوا الهرم كما وصل إلينا وكما هو معروف على مستوى العالم؛ وكفأنا شو وتريند ولقطة وفرقعة اعلامية؛ ده مش بيت أو منزل أو عمارة أو قصر أعمل فيه اللي أنا عايزه؛ ده أثر مصري موروث على حاله ومعروف ومشهور ومسجل؛ ومن ثم يجب الحفاظ عليه وعدم تغيير اصالته ووضعه ومظهره وبيئته ومحيطه وطبيعته المعروفة لا سيما وإنه ليست هناك ضرورة ملحة أو أولوية لذلك؛ بل ربما لايمثل هذا المشروع في حالة تنفيذه قيمة مضافة فتأتي الرياح بما لاتشتهي السفن فأفيقوا ايها السادة وكفاكم فتاوي ومغامرات وتريندات بمقدرات مصرنا الحبيبة وقوتها الناعمة.
وبعد اناشد السيد الرئيس بضرورةاستحداث هيئة مستقلة أو إدارة مستقلة للرقابة الأثرية على كل المشروعات قبل وبعد تنفيذها قبل أن يأتي يوم نفقد فيه كل مظاهر الأصالة والقيم في أثارنا وتراثنا الفريد والنادر من كافة الحقب والمراحل التاريخية. تلك أثارنا تدل علينا