صبري الموجي يكتب: ويروغُ منك كما يروغُ الثعلبُ
من الحماقةِ أن تحكمَ علي خُلقِ امرئ وطبعِه حالَ فقره وعوزه، الذي يُجبره صاغرًا علي أن يُظهر لك الودّ، ويقابلك أنّي تراه بالترحاب، ويُشعرك بالمودة، وهذا حالُ بعضِ من التقيتُ في دنيا الناس ممن غلبتْ عليهم النفعية، فلازموك كظلك؛ ليمصوا خيرك، وبمجرد نضوبِ معينك، ينصرفون عنك إلي غيرك، ولسانُ حالهم يقول: هل من مزيد؟
محدثو النعم هؤلاء، تراهم في كلّ وادٍ من أودية الطمع والأنانية يهيمون، وما إن تفتح لهم الدنيا أبوابها، حتي يوصدوا في وجهك بابهم، ويهرولوا وراء دنيا لا تساوي عند خالقِ البشر جناحَ بعوضة، بعدما ينفصون أيديهم مما لصق بها من ترابِ وأد الإخوة والصداقة.
قطعا أمثالُ هؤلاء ينبغي ألا يبكي عليهم المرء، وإن كان مُستطاعا فليكسر وراءهم (زيرا)، فقطيعةُ هؤلاء هي المكسبُ الذي لا يعدله مكسب، والفوزُ، الذي يقول صاحبُه بأعلي صوت: فُزت وربّ الكعبة.
ربما يلمسُ القارئ بين سطور مقالي حسرة، لا أنكرها، ولكنها ليست علي فقدِ واحدٍ أو أكثر من هؤلاء النفعيين، بل هي حسرةٌ علي عمر ضاع في صحبة لئام، راغوا منك كما يروغ الثعلب، وليستْ هي سذاجة مني وممن عاش نفس التجربة، فخُدع بمن أحسنَ بهم الظن، فأنا وغيري من المخدوعين معذورون إذ إن ملمسَ الثعبان ناعم وسمه ناقع فتّاك.
الصداقةُ قارئي العزيز خُلةٌ حميدة، ومطلبٌ سام، ولكن عن تجربةِ مُجرِب: أحببْ حبيبك هونا ما عسي أن يكون بغيضك يوما ما.
الصداقةُ الحقيقية هي أن تُصادقَ أهل بيتك من زوجةٍ وولد، وأن تحرصَ علي أن يسعك بيتُك، والسعة المقصودة هي أن ترضي بما قسمَ الله لك من زوجة وذرية، وأن يكون بيتُك مملكتَك، التي تتريض في رحابها، وتنعمَ بسعادة أفرادها.
الصداقة شيء جميل، ولكن قبل أن تصطفي، ادرس خلفيةَ من أردت أن تصاحب النفسية، فإنَّ الطبع غلاب، وصدق القائل:
ومهما تكن عند امرئ من خليـــقة
وإن خالها تخفي علي الناس تعلم.