بعد القضاء على السوق السوداء وصفقة «رأس الحكمة»..
هل تجاوزت مصر أزمتها الاقتصادية؟
«مصر تتجاوز أزمتها الاقتصادية»، عبارة تتردد على لسان عدد من المسئولين بعد صفقة رأس لحكم وقرار تحرير سعر الصرف، والذي ساهم في القضاء على السوق السوداء، وعودة تحويلات المصريين في الخارج، ما زاد المعروض من العملة وفتح باب الاستيراد والإفراج عن البضائع المكدسة في المواني.
وكان الاقتصاد المصري يعاني، خلال السنوات الأربع الماضية، من نقص في العملة؛ نتيجة انتشار جائحة كورونا، وتأثيرها على الاقتصاد العالمي والمحلي، ومرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية، التي تسببت في ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي تستورد مصر معظمها من الخارج وهروب 20 مليار دولار أموال ساخنة، وصولًا إلى توتر الأوضاع في السودان ونزوح آلاف السودانيين إلى مصر هربًا من حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي في بلادهم، وحتى حرب غزة التي بدأت في أكتوبر من العام الماضي، وما تلتها من تداعيات بالمنطقة تسببت في انخفاض حركة مرور السفن بقناة السويس للنصف، وتراجع السياحة الوافدة لبعض مدن البحر الأحمر.
ولكن الفترة الأخيرة، شهدت انخفاضًا في سعر الدولار عقب قرار التعويم، حيث تساوى السعر في السوق السوداء، بالسوق الرسمي وانخفض من مستويات 73 جنيهًا إلى 47 جنيهًا.
وتسبب ذلك في انخفاض عدد من أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية بنسب تتراوح بين 20 إلى 36%، حيث تراجعت أسعار السيارات، والأجهزة الكهربائية، والأدوات المنزلية، والهواتف المحمولة، والخشب، والحديد، والأسمنت، خلال شهر إبريل ومارس الماضيين.
فيما تراجعت أسعار الحبوب من الفول والأرز والمكرونة والدقيق وعليه انخفض رغيف الخبر، بجانب تراجع أسعار الزيوت والسمن، بالإضافة إلى الدواجن واللحوم؛ نتيجة لتراجع أسعار الأعلاف.
ومن النجاحات التي حققتها الدولة، خلال الأيام الماضية، الوصول إلى اتفاق بين الحكومة وصندوق النقد الدولى وزيادة قيمة القرض ليصل إلى 8 مليارات دولار، وهو ما يعزز الثقة في الاقتصاد المصري، حسب ما ذكرته مؤسسات دولية.
كما ارتفع الاحتياطي النقدي للبلاد إلى أكثر من 40 مليار دولار، خلال الشهر الماضي، للمرة الأولى منذ عامين، بعد أن تلقت مصر الشريحة الأولى من صفقة تطوير منطقة رأس الحكمة البالغ قيمتها 15 مليار دولار، وزيادة حجم الاستثمار الأجنبي غير المباشر في أدوات الدين الحكومية.
ورغم الطفرات التي حدثت في الاقتصاد المصري، إلا أنه لا يزال يرى الخبراء، أن الوضع يحتاج إلى مزيد من الصناعة والإنتاج والزراعة، واستغلال أموال صفقة رأس الحكمة وقرض صندوق النقد الدولي، في تشغيل قطاعات الإنتاج.
وفي هذا السياق، قال الدكتور هاني توفيق، الخبير الاقتصادي: «نحن لم نتخط أزمتنا الاقتصادية بمجرد تحسن السيولة.
وأضاف: «فالسياسة النقدية الرشيدة التى يتبعها البنك المركزى وحدها لا تكفى ولا بد من تناغم كل من السياسات المالية، والإصلاح الهيكلي الشامل معها، لنتخطى هذه الأزمة».
عدم استقرار سعر الصرف
ومن ناحيته، قال الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، إن مصر لا تزال تحاول العبور من أزمتها الاقتصادية، لافتًا إلى أن سعر الصرف لا يزال في هبوط وصعود وعدم استقرار.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن أزمة الكهرباء وانقطاعها خطر يهدد الاستثمار في البلاد، بالإضافة إلى أن مشروعات الزراعة والصناعة التي أُعلن عنها، مؤخرًا، ستأخذ بعض الوقت.
وأشار «فهمي»، إلى أن هذا بجانب المشاكل السياسية التي تتصدر أمام مصر، والتي أبرزها رفح والتي تتسبب في ضعف السياحة، والصراع في المنطقة المحيطة، إلى جانب الأوضاع في السودان واليمن والعراق.
وتابع: «وآخرهم هجمات الحوثيين في البحر الأحمر والتى تسببت في انخفاض إيرادات قناة السويس إلى 60%، ووقف ملاحتها والتجارة بها في ظل الاعتماد بشكل كبير عليها كمصدر أساسي في العملة».
وأوضح أستاذ الاقتصاد: «لا أحد ينكر أن الوضع في مصر يتحسن ولكن يحتاج إلى مزيد من الجهد والوقت، حيث يجب الاعتماد على الصناعة والزراعة، والاستثمار والخدمات السياحية».
خلل للاقتصاد المصري
في المقابل، قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، إن مصر بالفعل عبرت أكبر مشاكلها الاقتصادية والتي تتمثل في وجود سعرين للعملة وهو ما كان يعمل على هروب الاستثمار، بالإضافة إلى أن جميع السلع تقيم على السعر غير الرسمى، والذي تسبب في خلل للاقتصاد المصري.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن هذا بجانب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي استطاع الاقتصاد المصري أن يستفيق، بالإضافة إلى توفير النقد الأجنبي والقضاء على السوق الموازية.
وأشار «الشافعي»، إلى أن ذلك أدى للارتياح بين مجتمع الأعمال، خلال الفترة الحالية، كما أحس المواطن بالفرق بعد انخفاض الأسعار وخاصة في السلع الأساسية مثل الخبز، متابعًا: «أصبح التسعير على البنوك وليس السوق السوداء».
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن النجاحات السالف ذكرها يجب مقابلتها بزيادة توطين صناعات جديدة وتقليل العجز في الميزان التجاري وفاتورة الواردات، بالإضافة إلى استغلال الفرص الاستثمارية الواعدة المتوفرة في مصر.