رئيس التحرير
خالد مهران

صبري الموجي يكتب: جزاء سينمار!

الكاتب الصحفي صبري
الكاتب الصحفي صبري الموجي

ورد في الأثر: لا تحكم على امرئ إلا بعد واحدة من ثلاثة.. شدة أصابتك، أو نعمة أصابته، أو قطيعة حدثت بينكما.


ولا شك أن هذا مُجربٌ ومُشاهَد، فحُبّك الشيء يُعمي ويصم، والاحتكام إلى صوت القلب، وتغييب العقل، يقود إلي أحكام خاطئة. وأظنك عزيزي القارئ لا تخالفني الرأي، فكم من شخص ظننتَ به خيرا، وبذلتَ له من الوقت والجهد والمال ما لايستحق، فقابل ذلك بالجحود والنكران، فزجرتَ نفسك علي عمر ضيّعته في صحبة لئام، وأنشدتَ مثلي قول المتنبي:
أبعينِ مفتقرٍ إليك نظــرتني/ فأهنتني وقذفتني من حالق، لستَ الملومَ أنا الملومُ لأنني/ أنزلتُ آمالي بغير الخــالق.


كثيرٌ هم من عرفنا، وماشينا في دنيا الناس، ولكنّ القليل منهم هم من حرصنا علي صحبتهم، وتؤلمنا قطيعتُهم في زمن هيمنت فيه النفعيةُ على سلوكيات البشر، وذُبحت فيه الصداقةُ والأخوة بسكين بارد؛ إذ أعطينا وبخلوا، وفّينا وخانوا، أخلصنا وجحدوا، فأصبحنا، والحالة تلك، نبكي على أيام ضاعتْ في صحبة أقزام، ورحلةٍ صحبناهم فيها، لم نرجع منها سوى بخفي حنين، فلم نجد وسيلة نُسري بها عن أنفسنا سوى ترديد أبيات شيخنا الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف -طيب الله ثراه- الذي مدَّ يده بالمعروف لكثير من أصحابه بدار العلوم، فقوبل بالغبن والظلم، فأنشد يقول:
لم أفعل العرف لا خوفا ولا طمعا / لكنه الله والأخلاقُ والـــــــدار
ما كنتُ أبغي سوى حسن الوداد به/ وقد جُزيت كما يجزي سينمار.


ورغما عن هذا كله أؤكد أنه إن كان في الحلق غصة، وفي الفم ماء؛ حزنا على أناس خُدعنا فيهم، إلا أنني أجد العزاء في قول القائل:
من يفعل الخير لا يُعدم جوازيه / لا يذهب العرفُ بين الله والناس  
فإن كان كثيرٌ من الناس يجحدون، فإن هناك أوفياء، وربا مُطلعا، يُجازي كلّ امرئ بعمله، فلا تحزن يا من خُدعت مثلي، وتذكر قول الخنساء: 
ولولا كثرةُ الباكين حولي على إخوانهم لقتلتُ نفسي.
انهض من جديد، واختر أصدقاءك بعناية، واصطفيهم بعد تمحيص لكيلا تُخطيء في الاختيار مرة ثانية، فالمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين.
لا تغتر ثانية بمعسول الكلام، ولا بطيبِ الملمس، فالحيةُ ملمسها ناعم، وسمها ناقع، ولا تُقيم شخصا حال عوزه، بل احكم عليه حال غناه.


لا تُحابي شخصًا لمجرد انتمائه لفصيل أو جماعة أو طائفة أو عشيرة، بل احكم عليه من خلال أخلاقه وسلوكه، ومعاملاته، فالدين المعاملة.


لا تغتر بالمظهر، بل فتش عن الجوهر، فكثيرٌ من الناس، يظهرون في صورة حملان، بينما هم في خلاواتهم ذئاب عادية، وكلاب مسعورة.


ابدأ من جديد، واحمد الله أن خُلعتْ الأقنعة، فانكشفت الوجوه، وعُرفت المستبشرة من التي عليها غبرة.


صاحب وخالل من يستحق صحبتك، واكسر وراء من قاطعتَ (زيرا ) وقل بعد فراقه: فزت ورب الكعبة. 


اعلم أنّ الحياة لا تنتهي بقطيعة شخص أيا كانت مكانته، وأنك إن خسرت شخصًا، فستكسب آخرين شريطة أن تُحسن الاختيار.
[email protected]