ماذا يمكن أن تقدم بريكس للشرق الأوسط في مواجهة النفوذ الأمريكي؟
وسط اهتمام عالمي، تبدأ اليوم الأربعاء أول قمة لبريكس بتشكيلتها الموسعة في مدينة قازان الروسية. وتشارك في القمة، التي تعقد في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر، منطقة الشرق الأوسط رسميا لأول مرة بعد انضمام مصر وايران والإمارات والسعودية.
ومنذ إطلاقها في عام 2009، دافعت بريكس عن نظام دولي متعدد الأقطاب ونظام مالي وتجاري عالمي عادل. وتجري دول بريكس الآن محادثات لإنشاء عملة احتياطية جديدة من شأنها أن تسمح لبلدانها بمزيد من الاستقلال الاقتصادي. لكن ما الذي يمكن أن تقدمه بريكس لدول الشرق الأوسط في مواجهة نفوذ الولايات المتحدة؟
قبل القمة، أصدرت الكتلة تقريرا تاريخيا يقترح إنشاء بنية تحتية جديدة للتجارة وتحويل الأموال باستخدام عملاتها الوطنية، بدلا من الدولار الأمريكي، الذي يواجه اختبارا حقيقيا "بسبب استخدامه كسلاح" ضد البلدان التي تعارض الولايات المتحدة وسياساتها.
ومنذ عام 1944، سمحت هيمنة الدولار الأمريكي على جميع العملات العالمية الأخرى للولايات المتحدة بالتأثير، والسيطرة بطرق عديدة، على سياسات معظم البلدان النامية، بما في ذلك في الشرق الأوسط. ويعتقد الاقتصاديون أن الدولار هو أحد أهم عناصر الهيمنة الأمريكية.
وفي الواقع، من خلال العقوبات وتجميد الأصول وغيرها من التدابير تقوضت الثقة الدولية في الدولار ولجأت دول عديدة إلى تنويع احتياطاتها وابرام اتفاقيات مقاصة ثنائية، ويعتقد المراقبون على نطاق واسع أنه إذا تبنت بريكس عملة موحدة، فستكون هذه خطوة محورية واستراتيجية من شأنها أن تزيد من إضعاف وضع الدولار الأمريكي.
ويرى المراقبون أن بريكس يمكن أن تساعد دول المنطقة على التخلص من الاعتماد المكثف على الدولار كعملة احتياطي وتسوية.
وفي السنوات الأخيرة، زادت دول بريكس بالفعل جهودها على محورين: الأول هو تنويع احتياطاتها وقد زادت حصتها من الذهب. والثاني: اتفاقيات المقاصة الثنائية بما يسمح لها باجراء التعاملات التجارية بالعملات الوطنية في مسعى من القادة إلى تقليل اعتماد بلدانهم على الدولار الأمريكي.
وبعد أن جمدت الحكومة الأمريكية احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي السائل البالغة 300 مليار دولار بعد غزوها لأوكرانيا في عام 2022، بنية إعطاء بعضها إلى كييف، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاستثمار في الأصول الثابتة مثل الذهب أو النفط.
وفقا للتقارير، اعتبارا من عام 2024، شكلت حيازات البنوك المركزية من الذهب لدول البريكس بالإضافة إلى مصر أكثر من 20 في المائة من جميع الذهب المحتفظ به في البنوك المركزية العالمية. وتأتي روسيا والهند والصين في مراكز متقدمة في هذا الصدد.
ويرى الخبراء أن بريكس يمكنها أن توفر لبلدان منطقة الشرق الأوسط فرصة لتقليل الاعتماد المكثف على الدولار، بما يساعد على تعزيز استقرار عملاتها الوطنية من خلال توثيق العلاقات مع الدول الأعضاء.
ورحبت المجموعة التي أسستها الصين وروسيا والهند والبرازيل قبل انضمام جنوب إفريقيا في عام 2011 بالأعضاء الجدد في 1 يناير 2024 في توسع تاريخي.
وقال وانغ يو مينغ، مدير معهد الدول النامية في المعهد الصيني للدراسات الدولية في بكين، إن "جاذبية بريكس تكمن في الفرص الاقتصادية التي يمكن أن تجلبها".
وأضاف أن عدد سكان بريكس الكبير يعني سوقا شاسعة وموارد غنية وطاقة على وجه الخصوص وإمكانات كبيرة في الاستثمار.
وتمثل بريكس بلس مستقبل النظام الاقتصادي الدولي، مما يعكس في المقام الأول مصالح الاقتصادات النامية في الجنوب العالمي. وارتفعت مجموعة بريكس الموسعة إلى 35.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتجاوزت حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مجموعة السبع من حيث تعادل القوة الشرائية
وتمثل بريكس أكثر من ثلث الأراضي الجافة على الأرض و45 في المائة من سكان العالم (3.6 مليار)، وأكثر من 40 في المائة من إجمالي إنتاج النفط، وحوالي ربع صادرات العالم من السلع، وفقا للبيانات العامة.
ويعتقد الخبراء أنه بينما لا تزال بريكس ليست منافسا مباشرا للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، إلا أن نفوذها المتزايد يمكن أن يعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي تدريجيا. فمع استكشاف الدول في الشرق الأوسط لشراكات جديدة وتنويع تحالفاتها، قد تتعرض الهيمنة الأمريكية للتحدي سياسيا واقتصاديا وأمنيا، مما يؤدي إلى نظام إقليمي أكثر تعددية.
وفي الأفق مع توسع نفوذ بريكس، قد تسعى الدول في الشرق الأوسط إلى تنويع تحالفاتها، مما يقلل من الاعتماد على الولايات المتحدة في الدعم السياسي والاقتصاد باتجاه خلق عالم متعدد الأقطاب، ما يتحدى الهيمنة التقليدية للولايات المتحدة في العلاقات الدولية والسياسة الإقليمية.
ويمكن أن توفر بريكس أيضا الدعم السياسي للدول في الشرق الأوسط في المنتديات الدولية، مما يتعارض مع تأثير الولايات المتحدة والسياسات التي قد لا تتماشى مع مصالحها.
ومن الناحية الاقتصادية، يرى الخبراء أن بريكس يمكن أن تقدم الكثير في هذا الصدد سواء بشراكات تجارية وفرص استثمارية بديلة. وينسحب الأمر على تطوير البنية التحتية، حيث يمكن أن تقدم مبادرات مثل البنك للتنمية الجديد تمويلات لمشروعات البنية التحتية، مما يضع بريكس كبديل قابل للتطبيق للمؤسسات المالية الغربية..
ويرى المرقبون أن بريكس تركز على التعاون الاقتصادي بين أعضائها والتنمية والتجارة وفرص الاستثمار داخل الكتلة على النقيض من المنظمات التي يقودها الغرب والتي غالبا ما تعطي الأولوية للسياسات الاقتصادية التي تعكس مصالح وأولويات الاقتصادات المتقدمة.
ومن ثم توسيع دول الشرق الأوسط المعنية للتعاون مع بريكس لا يعني فرصا للنمو الاقتصادي والتنمية فقط، بل يمكن أن يساعدها على تأكيد مصالحها.