أقره مجلس النواب.. تشريع مراقبة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي يثير الجدل
- حقوقي: خطورة المادة تكمن في إمكانية سوء استغلالها من بعض أفراد السلطة العامة
- حقوقي: المادة تنتهك الحق في الخصوصية ومخالفة للدستور المصري الذي يكفل حرية الإنسان بالتنقل وحرمة حياته الخاصة
- محامي حقوقي: الدستور ينص على أن المراقبة محدودة المدة وهذا ما تخالفه المادة
- فريدي البياضي: النص الحالي يفتح المجال أمام تمديد غير محدود، ما يجعل المواطن في موضع اتهام دائم
- أمين سر «دفاع النواب»: المادة 79 من قانون الإجراءات الجنائية تتفق مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
برلماني: المادة ذاتها لا تعطي سلطة مطلقة للنيابة العامة والمراقبة أو الضبط يكون بإذن من القاضي الجزئي
سجال كبير يتخلله تخوف وترقب لدى المصريون «حقوقيون ومواطنون» على حدٍ سواء، جراء موافقة مجلس النواب على مراقبة الهواتف والاتصالات وحسابات التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، وفقًا للمادة 79 ضمن مشروع قانون الإجراءات الجنائية، ومناقشة ضوابط تطبيقها، ما اعتبره البعض انتهاك للحياة الخاصة للمواطنين، لاسيَّما وأن المادة تسمح بتجديد مدة المراقبة مرات عدة دون حد.
حقوقيون وبرلمانيون انتقدوا المسألة، مؤكدين أنها مخالفة صريحة للدستور المصري، مقابل دفاع رئيس مجلس النواب المستشار حنفي الجبالي الذي قال إن المحكمة الدستورية حسمت مشروعية مراقبة الاتصالات وفق الضوابط التي أقرها المجلس، ما أثار تساؤلات عدة بشأن مدى دستورية تلك المادة؟ وما الذي يترتب عليها؟
مراقبة مفتوحة
تمنح المادة محل الجدل من قانون الإجراءات الجنائية، والتي أقرها مجلس النواب، 12 يناير 2025، النيابة العامة -بعد الحصول على إذن قضائي مسبب- سلطة ضبط ومراقبة والاطلاع على مختلف وسائل الاتصالات، بشرط أن تكون مدة الإذن 30 يوما كحد أقصى مع إمكانية التجديد لمدة أو مدد مماثلة.
وتجيز المادة ذاتها إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص، حسبما جاء بنصها: «يجوز لعضو النيابة العامة، بعد الحصول على إذن من القاضي الجزئي، أن يصدر أمرًا بضبط جميع الخطابات، والرسائل، والبرقيات، والجرائد والمطبوعات، والطرود، وأن يأمر بمراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ومحتوياتها المختلفة غير المتاحة للكافة، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو المسموعة أو المصورة على الهواتف أو الأجهزة أو أية وسيلة تقنية أخرى، وضبط الوسائط الحاوية لها أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، ويجب أن يكون الأمر بالضبط أو الاطلاع أو المراقبة أو التسجيل لمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا. ويصدر القاضي الإذن المُشار إليه مسببًا بعد اطلاعه على الأوراق والتحقيقات، ويجوز له أن يجدده لمدة أو لمدد أخرى مماثلة».
مراقبة النيابة العامة للاتصالات ليس أمرًا جديدًا في القانون المصري، لأن قانون الإجراءات الجنائية الحالي -الجاري تعديله- يسمح لها بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية، وإجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص، والسماح أيضًا بتجديد المراقبة لـ30 يومًا أو مدد مماثلة.
لطالما طمح حقوقيون وبرلمانيون كُثّرإلى تعديل المادة الحالية، وتقييد مدة المراقبة وعدم تركها مفتوحة، إلا أن جاءت رياح موافقة مجلس النواب بما لم تشتهِ تطلعاتهم، ما دفع السواد الأعظم منهم إلى وصف المادة الجديدة، بأنها «استنساخ للوضع القائم».
مخالفة دستورية
وتسمح المادة بالاستمرار في مراقبة المتهم فترات مفتوحة، بخلاف ما ينص عليه الدستور المصري الذي ينص على أن تكون المراقبة محدودة المدة، حسبما يوضح المحامي الحقوقي وعضو حملة «معًا من أجل قانون عادل للإجراءات الجنائية»، محمد فتحي.
المادة 57 من الدستور المصري، تنص على أن «لحياة المواطنين الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال، حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محدودة، وفي الأحوال التي يبينها القانون».
برلمانيون معترضون
عضو مجلس النواب المعارضين فريدي البياضي، اقترح خلال جلسة مناقشة القانون -12 يناير الجاري- تحديد مدة المراقبة بحد أقصى 9 أشهر، وأيده في ذلك النائب محمد عبدالعليم وآخرون معتبرين أن النص الحالي يفتح المجال أمام تمديد غير محدود، ما يجعل المواطن في موضع اتهام دائم.
رفضت الحكومة والأغلبية بالمجلس مقترح «البياضي»، رغم إشارته إلى أن المادة بصيغتها الحالية تتعارض مع المادة 57 من الدستور، والتي تضمن حرمة الحياة الخاصة وسرية المراسلات والاتصالات، ولا تجيز المراقبة إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة.
مراقبة مشروعة
وفي 13 يناير الجاري، دفعت تلك المخاوف التي خيَّمت على المصريين جراء السِجال بشأن القانون الذي انتهى بإقراره دون الالتفات إلى المخاطر المحيطة به، دفعت رئيس مجلس النواب المستشار حنفي الجبالي إلى توضيح الأمر من وجهة نظره -خلال جلسة البرلمان- قائلًا: "مراقبة الاتصالات لا تجري على نطاق واسع ولا تحدث إلا بناء على أمر قضائي يصدر من قاض ووفق ضوابط قانونية مشددة، وفي حالات التحقيق في جرائم الجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها القانون بعقوبة تزيد مدتها على الحبس ثلاثة شهور، وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إخضاع أي شخص للمراقبة بصورة عشوائية أو غير قانونية”.
وبحسب «الجبالي»، الحوار بشأن المادة وصياغتها خلاله صدَّرت صورة إلى المواطنين، بأن المراقبة أصبحت أمرًا مُتاحًا على نطاق واسع، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق، مؤكدًا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إخضاع أي شخص للمراقبة بصورة عشوائية أو غير قانونية وإنما يكون ذلك في إطار أحكام الدستور والقانون.
ورأى رئيس مجلس النواب، أن المحكمة الدستورية العليا حسمت مشروعية مراقبة الاتصالات وفق الضوابط التي أقرها المجلس والتي تتوافق مع الضوابط الواردة في قانون الإجراءات الجنائية الحالي، وذلك في القضية رقم (207) لسنة 32 قضائية دستورية عام 2018.
وسيلة استغلال
تكمن خطورة تلك المادة في إمكانية سوء استغلالها من خلال بعض أفراد السلطة العامة، والتي بموجبها يستطيعون تذِرُع خطر ما وعليه يتم توقيف الأشخاص وتفتيشهم سواء ذاتيًا أو منزليًا أو لمراسلاتهم، حسبما يرى المحامي الحقوقي ورئيس المركز العربي لاستقلال القضاء، ناصر أمين.
ويؤكد أنها مخالفة للدستور المصري، لاسيَّما وأنها تنتهك الحق في الخصوصية، الذي يكفله الدستور، لأنها تمنح مأمور الضبط القضائي صلاحيات ليست من حقه، بخلاف منحه صلاحية لبعض الإجراءات التحفظية في حالات ليست من حالات التلبس.
ويختتم «أمين» حديثه في هذا الشأن، مؤكدًا أن الأصل في الدستور هو حرية الإنسان في التنقل وحرمة حياته الخاصة، موضحًا أنه في حالة غير التلبس لا يجوز تفتيش أحد أو تفتيش هاتفه أو مراسلاته أو منزله إلا بإذن قضائي.
سلطة محدودة
المادة 79 محل الجدل تتفق مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بدليل أنها تنص على أن المراقبة لا تتم إلا بصدد جريمة ما، حسبما يرى أمين سر لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب النائب محمد عبدالرحمن راضي.
ويضيف، المادة ذاتها لا تعطي سلطة مطلقة للنيابة العامة -كما يعتقد البعض- فإنه بموجب نص المادة لا يحق للنيابة اتخاذ أي إجراء إلا بعد الرجوع للقاضي، وعليه فإنها سلطة مقيدة لأن الإجراء مرتبط بالرجوع إلى القاضي الجزئي، وحتى أمر الضبط أو الاطلاع أو المراقبة أو التسجيل يكون بإذن مُسبب من القاضي، بعد اطلاعه على الأوراق والتحقيقات ويجوز له أن يجدده لمدة -والتي لا تزيد عن 30 يومًا- أو لمدد أخرى مماثلة.
ويختتم أمين سر «دفاع النواب»، حديثه في هذا الشأن، موضحًا أنه بشكلٍ عام إن مشروع قانون الإجراءات الجنائية يحقق المصلحة العليا للدولة بمجال حقوق الإنسان محليًا ودوليًا؛ لأنه يشمل مزيدًا من الضمانات التي تحفظ حقوق وحريات المواطن المصري بما بليق بالجمهورية الجديدة.