رئيس التحرير
خالد مهران

بالسكن الجامعي والكليات.. سر زيادة حالات الانتحار بين طلاب الجامعات

بالسكن الجامعي والكليات..
بالسكن الجامعي والكليات.. سر زيادة حالات الانتحار بين الطلاب

= الدكتور جمال فرويز: زيادة حالات انتحار الطلاب يرجع إلى اضطراد نسب الاضطرابات النفسية 

= فرويز: الاكتئاب واضطرابات الشخصية الحدية سبب زيادة حالات انتحار الطلاب

= نفساني: توطيد الأسرة علاقتها بالطالب يجنبه المصير المأساوي

- الدكتور طه أبوحسين: الطالب لم يختار المدينة الجامعية أو الكلية للانتحار وإنما وقع فريسة للضغوط

- أستاذ اجتماع: تسليم الطالب للحساب المادي وعدم الانسياق وراء عواطفه يجنبه الانتحار

 

«قفز من أدوار عالية أو الشنق بحبل في سقف غرفة» بات ذلك حال بعض طلاب الجامعات داخل المدن الجامعية تارة والكلية تارة أخرى، خلال الفترة الأخيرة، كشفت عنه عناوين أخبار تلك الحوادث، لاسيَّما بدءًا من العام الدراسي الماضي، وكان آخرها محاولة انتحار طالبة الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر بالشرقية -قبل 5 أيام- عبر قفزها من الطابق الرابع.

حادث طالبة الأزهر، أعاد إلى الأذهان الحوادث المُشابهة والتي تزايدت مؤخرًا -حسب وصف البعض- ما أثار تساؤلات بشأن الأسباب النفسية والاجتماعية التي تدفع طالب أو طالبة شبان للتخلص من الحياة؟ وكيف يواجه الطلاب تلك الضغوط؟

حادث طالبة الأزهر

6 يناير الجاري، وفور تداول أخبار محاولة انتحار «مريم. ه» طالبة الدراسات الإسلامية الفرقة الأولى، والتي قفزت من الطابق الرابع بالكلية، أثناء توقيت امتحان النحو، في ظل تداول أنباء تزعم انتحار 3 طالبات بالكلية لصعوبة الامتحان.

قَفْز «مريم» من أعلى، لم يودِ بحياتها -كما أرادت- ولكنه أسفر عن إصابتها واثنتين من زميلاتها أثناء جلوسهما للمذاكرة أسفل المبنى.

كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر بالزقازيق، كشفت ملابسات الواقعة عبر بيانٍ رسميٍ عبر صفحتها على «فيسبوك»، نفت خلاله الأنباء المتداولة بشأن صعوبة الامتحانات، وأكدت أن السبب وراء محاولة تخلص الطالبة من حياتها يرجع إلى ضبطها متلبسة بالغش باستخدام «الموبايل».

وأوضحت أن حالة الطالبة وزميلتيها مستقرة ويتلقين جميعهن العلاج بمستشفى الزقازيق الجامعي، بعدما اتخذت الإدارة اللام لإسعافهن فور وقوع الحادث وإبلاغ الشرطة، وأن التحقيقات أثبتت عدم وجود أي شبهة جنائية، في حين خَلَصَت التحريات إلى عدم صعوبة الامتحانات بناءً على سؤال الطالبات.

الخوف من الفضيحة

عميدة الكلية الدكتورة أماني هاشم، استدعت رئيس الكنترول وأعضاء اللجان والطالبات للوقوف على ادعاءات صعوبة الامتحان، والتأكد من مراعاة ضزابط الامتحانات القانونية، وتطابقت شهادتهم مع تسجيلات كاميرات المراقبة بالكلية -حسب إدارة الكلية-

الخوف من الفضيحة عقب ضبطها متلبسة تغش وتحرير محضر لها من قِبل مُلاحظة اللجنة، كان دافع الطالبة إلى التخلص من حياتها، خصوصًا وأنها من طالبات الفرقة الأولى الباقين للإعادة وليست مستجدة، وقفزت الطال بعدما فشلت في إقناع المُراقبة  بمنحها فرصة أخرى حرصًا على شعور أهلها، حسبما أكدت مصادر مُطلعة بالكلية.

أسرة «مريم» أكدت أن ابنتهم تعاني من مشاكل نفسية، حتى أنها حاولت الانتحار قبل هذه المرة خلال مرحلة الثانوية.

امتحانات موترة

18 ديسمبر الماضي، شهد مأساة شبيهة لطالبة بكلية الحاسبات والمعلومات جامعة أسيوط، إلا أنها اختارت القفز من الطابق الرابع بالمدينة الجامعية، جراء خوفها وقلقها من الامتحانات.

التوتر والاكتئاب الناتجين عن الامتحانات، كانا سببًا في محاولة الطالبة التخلص من حياتها، إلا أنها فشلت في ذلك وأسفر سقوطها عن إصابتها إصاباتٍ بالغة، وتم نقلها للمستشفى الجامعي لتلقي العلاج.

انتحار وتشكيك

ومن الطابق الرابع بالمدينة الجامعية أيضًا، ولكن هذه المرة بالمنوفية، كان يوم 20 نوفمبر الماضي، يومًا مأساويًا بعدما شهدت الساعات الأولى من فجره انتحار الطالبة «آية.أ» والمقيدة بالفرقة الثالثة بكلية الاقتصاد المنزلي «تربوي» جامعة المنوفية، بعد إلقاء نفسها من أعلى المبني.

ورغم تشكيك عائلة الطالبة الفقيدة، في مقتلها مؤكدين أنه لا توجد أية أسباب تدفعها للتخلص من حياتها، خصوصًا وأنها كانت مرحة وحسنة الخُلق، إلا أن التحقيقات أثبتت عدم وجود شبهة جنائية.

الدكتور جمال فرويز

مشنقة «عمر»

وفي 4 سبتمبر الماضي، شهدت إحدى غرف المدينة الجامعية للطلاب بالقاهرة، أشد المآسي قسوة، بعدما أقبل الطالب «عمر.م» بالفرقة الثالثة بكلية الطب البشري جامعة القاهرة، على شنق نفسه في سقف غرفته، أثناء فترة أدائه امتحانات الدور الثاني.

والد «عمر» والذي كان حاضرًا -بالصُدفة- بالمدينة الجامعية أثناء اكتشاف الأمن المأساة؛ وذلك لإتمام إجراءات إخلاء طرف نجله من السكن الجامعي، أكد أنه كان يعاني من ضغط نفسي بسبب المذاكرة والدراسة، وهو ما توافق مع نتائج التحريات التي كشفت أنه منطو ويقضي معظم الوقت في غرفته، منهمكًا في مذاكرته وليس لديه الكثير من الأصدقاء.

جامعة القاهرة أكدت خلال نعيها للطالب، أنها تُقدم الدعم النفسي للطلاب عبر المراكز الخدمية التابعة لها.

الضغوط والتوتر والمشاكل النفسية جراء الامتحانات أو مشاكل أخرى هي القاسم المشترك بين تلك الحوادث المُشار إليها، والتي يؤكد المختصين بالطب النفسي وعلم الاجتماع أن هناك حلولًا للخروج منها.

انعدام الوعي

زيادة حالات انتحار الطلاب  يرجع إلى اضطراد نسب الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب، وفي المُقابل يُحجم الطلاب عن العلاج، على الرغم من أنه متوافر بالمجان بالمستشفيات الجامعية؛ لعدم وعيهم بوجود المرض، حسبما يؤكد استشاري الطب النفسي بجامعة القاهرة الدكتور جمال فرويز.

ويوضح أن اضطرابات الشخصية الحدية والتي انتشرت بشكل كبير بين الشباب، خصوصًا البنات، أحد الدوافع إلى الانتحار، والتي تجعل المريض يلجأ إلى إنهاء حياته كنوع من أنواع الضغط على أسرهم أو التعبير عن النقص الذي يشعرون به، في ظل بُعد المسافات بين الأسر، رغم أن علاقة الطالب بأسرته هي الأساس في حل أزماته مواجهة مخاوفه من عدمه.

الشخصيات العُصابية هي التي الأكثر تأثرًا بالضغوط، ولا تستطيع تحملها وينهتي بها الأمر إلى الانتحار، ولذلك ينتحر الطلاب خلال فترة الامتحانات خوفًا من الفشل، أو من العار كما حدث في حالة الطالبة التي تم ضبطها تغش، تلك الشخصية تحتاج إلى توطيد العلاقة مع الأسرة لتجنب الوقوع فريسة للانتحار، ويجب أن تبتعد أسرهم عن تخويفهم أو الضغط عليهم بأنهم سيفشلون، حسب الدكتور جمال فرويز.

زيارة النفساني

ويُضيف أن توقيت لجوء الطالب إلى طبيب نفسي مهم جدًا، والذي يكون مع شعوره بتغير في حياته، بمعنى أنه عندما يُلاحظ الطالب تغير في أنماط حياته، مثل حدوث اضطرابات في النوم أو الطعام سواء بالزيادة أو النقصان، وقلة التركيز وفقدان الشغف.

ويختتم استشاري الطب النفسي، حديثه مع  بالإشارة إلى أنه رغم تزايد حالات انتحار طلاب الجامعات بالكليات أو السكن الجامعي، إلا أنه لا يُمكننا توصيفها بالظاهرة، كما يعتقد البعض، لأن الظاهرة تعني أن نسبة 25% من طلاب الجامعات أو سكاني المُدن الجامعية ينتحرون.

الدكتور طه أبوحسين

هواجس وخيالات

دوافع الإنسان للانتحار عبارة عن هواجس تُصيبه ويخيل له الشيطان خيالات معينة كل مرتكزاتهاعاطفية غير مادية، يكون من خلالها المنتحر وهو الطالب هنا مُقدم على الانتحار وفق قناعة شديدة ولا يكتشف الجُرم وخُطورته إلا بعد دخوله في مرحلة الانتحار والتي يصعب العدول عنها، حسبما يوضح أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية طه أبوحسين في حديثه مع «النبأ».

ويضيف أن الحل لتجنب الطلاب النهاية المأساوية، يكمن في التسليم للحساب المادي والتخلي عن الحسابات العاطفية والخيالات، إلا أن المشكلة ترجع إلى اعتماده على عاطفته في تلك الفترة.

وقوع حوادث انتحار الطلاب داخل المدينة الجامعية أو الكلية، لا يعني تعمُد اختيارهم لتلك الأماكن لإنهاء حياتهم، إلا أن التخيلات العاطفية تنتهي بهم إلى وجودهم بين 4 أربعة حوائط ويعتقد الطالب منهم أنه لا مخرج سوى التخلص من الحياة؛ لاعتقاده أن برسوبه ستنتهي الدنيا وتخرب، وفق الدكتور طه أبو حسين.

ويؤكد أستاذ علم الاجتماع، أن الطالب الذي يلجأ إلى الانتحار لم يجد من يدعمه سوى طالب زميل ضعيف مثله في الغالب، ولذلك هو يحتاج في هذا السن إلى دعم قوي من الأسرة لأنه في سن الاختلالات العاطفية.

دور الأسرة

ويختتم «أبوحسين» حديثه في هذا الاشأن، ناصحًا كل أسرة ملاحقة ابنها في غربته واستيعابه لتخفيف الضغوط التي يتعرض لها خلال الدراسة، من خلال التواصل الدائم وسؤاله عن حاله، مع تأكيدها على أن سلامته في المقام الأول في حال النجاح والفشل على حدٍ سواء، ولا يحصرونه في حالة النجاح أو الفشل، خصوصًا وأنها حالة مركزية بالنسبة أي أنه الوحيد المعني بها والذي يهدف إليها، وتليها سعادة الأسرة مترتبة على سعادة الفرد، أي أنه على الأسرة إشباع الكفايات الثلاث لنجلهم وهي الكفاية المادية ثم الثقافية والعاطفية، حتى إن الشاب لو تعرض لانحراف ما في الحياة سيعود بسرعة إلى جدوى الطريق ويبصِّر نفسه بأنه سيصل للنجاح حتى وإن فشل في البداية.