لا لهجة صحيحة ولا قضايا حقيقية.. مصطفى شعبان يثير غضب الصعايدة بـ«حكيم باشا»

على مدار عقود، لا تزال الدراما الصعيدية تدور في حلقة مفرغة، لا ترى في الصعيد سوى عالم من الثأر والدماء والسلاح وصراعات الميراث، متجاهلة التحولات الاجتماعية والثقافية التي غيرت ملامح هذه المجتمعات، وكأنه اتفاق عام من صُناع الدراما على تنميط الصعيد والتصاقه بتلك المشاهد والصراعات المبالغ فيها وغير الواقعية.
ورغم التطور الذي شهده الصعيد، إلا أن الدراما ترفض الاعتراف بهذه الحقيقة، لتظل حبيسة صورة نمطية قديمة، تعيد إنتاجها عامًا بعد عام دون أي محاولة للخروج عن المألوف.
هذا العام، جاء مسلسل «حكيم باشا» ليؤكد هذه الأزمة، حيث لم يضف جديدًا إلى الدراما الصعيدية، بل واجه انتقادات حادة بسبب اللهجة والقصة، لكونه يكرر نفس التيمات التقليدية دون تقديم رؤية مختلفة تعكس الواقع الحقيقي لأهل الصعيد اليوم.
فهل أزمة الدراما الصعيدية تكمن في غياب الإبداع، أم أن المنتجين لا يزالون يراهنون على قوالب قديمة أثبتت نجاحها سابقًا؟ والأهم، إلى متى ستظل دراما الصعيد أسيرة الماضي بينما يتغير الواقع من حولها؟
تعليق السوشيال ميديا على "حكيم باشا"
أثار مسلسل حكيم باشا للنجم مصطفى شعبان موجة من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتقده بعض أهل الصعيد.
ومن بين التعليقات، كتب أحد المتابعين على «فيس بوك»: «مرار طافح اللي بيعملوا مسلسلات فاكرين إن الصعيد كله عايش في قصور من الدهب، وسرايا على الطراز الفرعوني، وكل بيت فيه بدروم مليان آثار أكتر من المتحف المصري، وملايين الدولارات أكتر من البنك المركزي، وسلاح يدخل بيه الحرب! مسلسل حكيم باشا بتاع مصطفى شعبان مش مسلسل صعيدي.. ده مستوحى من مغارة علي بابا وقصص عم دهب».
الإساءة للصعيد
وفي السياق ذاته، قال الناقد الفني الدكتور طارق سعد، إن أزمة الدراما الصعيدية الحالية ليست في الأفكار، وإنما في طريقة تناولها، مشيرًا إلى أن أنجح الأعمال التي تناولت قضايا الصعيد كتبها مؤلفون صعايدة عاشوا في هذا المجتمع، مثل الكاتب الراحل محمد صفاء عامر، الذي نقل بيئته بواقعية.
وأضاف -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن الأعمال الصعيدية فقدت مصداقيتها بسبب ضعف التناول، مما أغضب أهل الصعيد أنفسهم، وليس فقط النقاد والجمهور العادي، حيث أصبحت الدراما تقدم صورة سطحية عن الصعيد.
وعن رأيه في مسلسل حكيم باشا للفنان مصطفى شعبان، قال «سعد»: «أهل الصعيد غاضبون من التناول الدرامي للعمل، فهو أشبه بمزيج غير متجانس، مجرد شخصيات ترتدي الجلباب والعمامة لكن دون لهجة صعيدية صحيحة، العمل مليء بالأخطاء، حتى أهل قنا أنفسهم تبرأوا منه، قائلين: (إحنا مش بنتكلم كده)، مما يعكس استهانة كبيرة بالثقافة الصعيدية».
وتابع: «هل يوجد مدقق لهجة في العمل؟، كل منطقة في الصعيد لها مصطلحاتها ولهجتها الخاصة، وهذا ما تم تجاهله تمامًا».
وفي ختام حديثه، وصف «سعد» مسلسل حكيم باشا باختيار غير موفق داعيًا مصطفى شعبان إلى مراجعة اختياراته، لأنه "غير مناسب للأدوار الصعيدية".
وشدد على ضرورة إنتاج أعمال صعيدية تعكس الروح الحقيقية للصعيد، وتقدمه بصورة مشرفة أمام الجمهور المصري والعربي.
تشويه الصعيد
وفي السياق ذاته، أكد المخرج المسرحي بوزارة الثقافة وأحد أبناء الصعيد، محمود شلبي، أن الدراما المصرية تكرس لصورة نمطية مشوهة عن الصعيد، حيث تركز على العنف والثأر وتجارة السلاح، متجاهلة التطور الحقيقي الذي شهده الصعيد في العقود الأخيرة.
ويرى «شلبي»، أن أحد الأسباب الرئيسية في استمرار هذه الصورة هو عدم استعانة صناع الدراما بكتّاب صعايدة على دراية حقيقية بالثقافة الصعيدية، قائلًا: «أغلب الكتاب الحاليين ليست لديهم معرفة كافية بالصعيد، لا يعيشون فيه، ولا يستلهمون قصصهم من واقعه، فكيف يمكنهم نقل ثقافة لم يختبروها؟ عند تقديم أي عمل درامي عن بيئة معينة، يجب أن يكون مستندًا إلى واقعها الحقيقي، تمامًا كما حدث في مسلسل (زيزينيا)، الذي نقل أجواء الإسكندرية بشكل دقيق من حيث اللهجة، الأغاني، العادات، وحتى طريقة ارتداء الملاية اللف».
وأضاف: «نفس الأمر رأيناه في مسلسل (ذئاب الجبل)، الذي قدّم شخصية (علوان البكري) بطريقة طبيعية دون مبالغة في اللهجة أو الأداء، وناقش قضايا اجتماعية هامة مثل تعليم الفتيات في الصعيد، بدلًا من التركيز فقط على الثأر والعنف».
وانتقد «شلبي» إصرار الدراما على تقديم الصعيد من زاوية العنف والدماء، قائلًا: «لماذا دائمًا يتم اختزال الصعيد في صورة القبائل المسلحة والثأر؟ أين التطور الذي شهده الصعيد؟ لدينا علماء، مفكرون، مستشارون، وأدباء، فلماذا لا تتناول الدراما هذه الجوانب؟».
وتابع: «في الماضي، حتى عندما تم تناول التقاليد الصعيدية مثل عدم زواج قبائل الهوارة من خارجها، كان يتم تقديمها في سياق محدد، لكن اليوم يتم تصوير الصعيد كله على أنه قوة ونفوذ وسطوة، وأصبح بعض الصعايدة أنفسهم يتقبلون هذه الصورة وكأنها واقع».
واستكمل: «المسلسل مليء بالمبالغات، لا توجد أي مراجعة للهجة الصعيدية، وكتابة السيناريو تبدو كأنها مجرد قصة خيالية سمعها المؤلف من شخص فتاي في الصعيد فقرر تحويلها إلى عمل درامي. فكرة أن يكون هناك مخزن يحتوي على ثلثي آثار العالم، أو أن تظهر البيوت الصعيدية بديكورات لا علاقة لها بالواقع، كلها أمور مبالغ فيها تفقد العمل مصداقيته».
تنميط الصعيد
ومن جانبه، قال المخرج المنفذ أحمد محمود عبدالعزيز، إن الصعيد يأخذ حقه في الدراما المصرية، لكن بشكل خاطئ، حيث يتم تقديمه في إطار نمطي مكرر يرتبط بالسلاح، والثأر، وصراعات العائلات، بينما الحقيقة أن هذه الصورة لا تعكس الواقع الفعلي لأهل الصعيد، بل تمثل نسبة ضئيلة منه.
وأضاف «عبدالعزيز» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-: «الصعيد مثل أي مجتمع آخر، فيه تنوع اقتصادي واجتماعي، عندما نسلط الضوء على عائلة غنية أو شخص جمع ثروة بطرق غير مشروعة، فإننا نتجاهل مئات العائلات المتوسطة والفقيرة التي لا تجد لها مكانًا في الدراما، هذه الأنماط ليست حكرًا على الصعيد، بل تحدث في القاهرة والإسكندرية وكل مكان».
وأوضح أن المشكلة تكمن في أن صناع الدراما وجدوا في هذه التيمات عنصر جذب، لأنها تقدم صراعات حادة، وأحداثًا مشوقة مليئة بالقتل وإطلاق النار، مما جعلها الخيار المفضل للإنتاج، بينما يتم إهمال قصص الناس العاديين وأحلامهم.
وشدد على أن مسؤولية الصورة النمطية لا تقع على الكاتب وحده، بل على المجتمع الصعيدي نفسه، الذي يجب أن يبرز مشاكله وقصصه الحقيقية.
كما ألقى باللوم على شركات الإنتاج التي لا تمنح فرصة للكتّاب من أبناء الصعيد، قائلًا: «لا يمكن كتابة عمل عن الصعيد وأنت تعيش في القاهرة، كما لا يمكن لرجل أن يكتب بصدق عن مشاكل المرأة».
وطالب «عبدالعزيز» شركات الإنتاج بعمل إعلانات أو مسابقة لمشاركة كتاب الصعيد بسيناريوهات يتم الاختيار منها لتنفيذها.
وختم حديثه بالقول: «الجمهور لا يريد التكرار، بل يبحث عن أعمال جديدة ومتميزة، وليس مجرد دراما مكررة تحت شعار الجمهور عاوز كده، فهذه كلمة مضللة إحنا الكسالى».
مجدي شاكر: "هبل وضحك على الدقون"
لم يقتصر النقد على اللهجة والأداء فقط، بل امتد إلى مشهد الآثار في المسلسل، حيث علّق الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين، على المسلسل عبر صفحته على فيسبوك قائلًا:
"شوفت الهبل والضحك على الدقون ده؟ لقطة من مسلسل حكيم باشا.. كل اللي في المسلسل تجار آثار ومخدرات! وإيه؟ مقابر! يحسسك إن الصعايدة عايشين في قصور، وكلهم بيتاجروا في الآثار! حتى لما جابوا آثار مقلدة، جابوها شكلها وحش وتقليد أهبل.. وأي هبل في الجبل! يا ناس اتقوا الله، أهلنا في الصعيد ناس غلابة وبسطاء، وقليل أوي أوي اللي بيفعل ده، وبيوتهم زي أي بيت، فيها الثرى ودول قلة، والباقي زينا. كل شغلي كان في محافظات الصعيد وأعرفهم.. منهم الكتير أجدع ناس! لا ده لابسهم، ولا لغتهم، ولا بيوتهم، ولا عاداتهم!"
كلمات شاكر تعكس استياء الخبراء والمتخصصين من الصورة المغلوطة التي تقدمها الدراما عن الصعيد، حيث يتم تصويره وكأنه وكر لتهريب الآثار، في حين أن الواقع مختلف تمامًا، والصعيد يضم أناسًا بسطاء يعيشون حياة طبيعية، بعيدًا عن هذه الصورة النمطية المشوهة.
فهل ستتغير رؤية الدراما للصعيد يومًا ما؟ أم ستظل أسيرة التكرار والمبالغات؟.