صبري الموجي يكتب: تبطينُ الترع.. وسوءُ التنفيذ!
مما أثقُ فيه، ويثقُ فيه غيري ممن يُحسِنون الظنَّ أنَّ وراء مشروعات البني التحتية، والمشروعات التنموية الجبَّارة، التي شيدت مؤخرا فوائد عديدة، أكدتها دراساتُ لجان استشارية استعين بها في إقامة وتنفيذ تلك المشروعات، التي تهدف إلى وصول مصرنا الجديدة إلى مصاف الدولة المتقدمة.
ولو سلمنا بعائد وفائدة معظم -إنْ لم يكن كلّ- هذه المشروعات بدءًا من شبكة الطرق المُذهلة التي تنافس في تصميمها وتنفيذها ومواصفاتها الطرق العالمية، مرورًا بالمشروعات الإنشائية العملاقة بالعاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة، وغيرهما، إضافة إلى الطفرة الملحوظة في إنشاء الكباري، التي قصَّرت زمن الرحلات، وحققتْ المرونة والانسيابية المرورية على طول البلاد وعرضها، وغيرها الكثير والكثير من المشروعات، إلا أنني أعتبرُ - وقد أكونُ مُخطئا - أن تبطين الترع بالقري والريف المصري قرارٌ جانبه الصواب، وأضرَّ أكثر مما نفع، هذا إن كان وراءه نفعٌ من أساسه!.
وحتى لا يندهش القارئ مما أقول، تعالوا نؤكد أنَّ من مقتضيات التبطين القطعَ الجائر للأشجار علي جانبي الترع، وهو ما شوه المظهرَ الحضاري للريف المصري بأشجاره الغناء ضاربة الجذور، التي حافظتْ على مدى سنوات على ثبات التربة جانبي الترع، وغلق مسامها؛ مما منع تسريب مياهها، التي تم تبطين الترع مؤخرا للمحافظة عليها، وعدم إهدارها!.
والسؤال: لو سلمنا بأنَّ فكرة التبطين العبقرية، تصلح للترع والقنوات التي تشق الصحاري المصرية بتربتها الرملية؛ لمنع تسريب مياهها، فما ضرورة تنفيذ تلك المشروعات في القري والأرياف، وإهدار مليارات، كان بالإمكان ضخها في مشروعات أكثر جدوي؟.
وعوارُ فكرة تبطين ترع القري والأرياف يعود لأسباب، أهمها -ياسادة- أنَّ إنشاء تلك الكتل الخرسانية بباطن الترع وحوافها، التهم مساحات من الطرق على جانبيها، فأعاق، ويعوق حركة البشر والدواب، والآلات الزراعية، وعرَّض كثيرًا من الأطفال، والمواشي للموت والغرق، وهو ما سمعنا عنه في أكثر من قرية تم تبطين ترعها!.
أضف إلى ذلك أنَّ تلك الكتل الخرسانية الصماء، شوهت صورة الريف المصري، وجعلت الطرق على جانبي الترع صحراء قاحلة، صار معها الذهابُ والعودة من الحقول رحلة عذاب تحت شمس الظهيرة المُحرقة!.
ورغم أنه لا يُصلح العطار ما أفسد الدهر، فإنه لكي نتعايش مع تلك الأزمة، التي صارت واقعا لا مفر منها، فلا بد من إقامة أسوار علي جانبي الترع بطول البلاد وعرضها؛ لحماية المواطنين والدواب من السقوط بها، خاصة أنه يُفضي إلى الموت.
وحتى تتحقق تلك الأمنية، يظل مشروع تبطين ترع الريف المصري مشروعا بلا جدوي حقيقية لكثرة كوارثه التي اتسع معها الخرقُ على الراقع!.