بعد اقتحام معبر رفح الفلسطيني.. سيناريوهات تجميد «معاهدة السلام» ردًا على الاستفزازات الإسرائيلية
في ظل ما تبذله مصر من مفاوضات على أعلى مستوى بوساطة قطرية مع الجانبين الإسرائيلي وحركة حماس لوقف الحرب في قطاع غزة وتهدئة الأوضاع والتوصل لهدنة إنسانية وصفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين، تواصل حكومة الاحتلال أفعالها الاستفزازية لكافة الأطراف من قصف المستشفيات، والأبراج، ومنازل المدنيين في قطاع غزة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية للأهالي داخل القطاع.
بل وتمادت إسرائيل في جرائمها وأفعالها الاستفزازية، خلال الساعات الأخيرة، باقتحام معبر رفح من الجانب الفلسطيني ورفح علم الاحتلال وتوجيه تحذير صريح لأكثر من 100 ألف فلسطيني بضرورة إخلاء شرق مدينة رفح قصرا، والتوجه إلى منطقة المواصي جنوب غرب القطاع؛ تمهيدا لتنفيذ العملية العسكرية في مدينة رفح، وذلك بالتزامن مع إعلان حركة حماس موافقتها على المقترح المصري بشأن اتفاق وقف إطلاق النار.
ويعتبر اجتياح إسرائيل لرفح الفلسطينية انتهاكا للقانون الدولي والإنساني، كما يعد أيضا انتهاكا لاتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل، ويمثل تهديدا للأمن القومي المصري.
وأدانت مصر بأشد العبارات، في بيان صادر عن وزارة الخارجية، العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية، وما أسفرت عنه من سيطرة إسرائيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
وقال المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، إن البرلمان يتابع ما يحدث بشأن مستجدات الأوضاع بالأراضي الفلسطينية، واصفا العدوان الإسرائيلي بـ«الكابوس الإنساني»، مؤكدا أن المجلس يتابع بكل اهتمامٍ، تطور الأحداث والتي سلكت مسارات متباينة.
وأهاب المجلس بالأطراف كافةً أن تعي جيدا أننا إزاء معالجة أوضاع بالغة التعقيد وشديدة الحساسية، ولا يوجد فيها طرف هو الأعلى كعبا أو الأرسخ قدما، وأنه لا فكاك من تبني لغة الحوار والتفاوض كوسيلة لحل الخلافات.
تهجير الفلسطينيين إلى سيناء
وفي هذا السياق، قال السفير علي الحفني، نائب وزير الخارجية الأسبق، إن العملية العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية لن تجلب لإسرائيل الأمن أو الانتصار في تلك الحرب الانتقامية بل سيكون لها عواقب وخيمة لا سيما في ظل تمركز معظم سكان قطاع غزة في تلك المنطقة الجنوبية.
وأضاف «الحفني»، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن إسرائيل التي عملت على تجويع سكان قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر الماضي تسيطر الآن على معبر رفح من الجانب الفلسطيني الذي يعد شريان الحياة لأهل القطاع؛ نظرا لكونه المنفذ الآمن لدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية ولخروج الجرحى والمرضى لتلقى العلاج؛ ما يعد تصعيدا خطيرا يستوجب تدخلا فوريا وعاجلا من قبل المجتمع الدولي ومجلس الأمن لصون حياة المدنيين وإنقاذ السلم والأمن الإقليمي والدولي.
وتابع، أن إقدام جيش الاحتلال على اجتياح مدينة رفح الفلسطينية يكشف خبث النوايا الإسرائيلية المتعلقة بفرص التوصل لهدنة ووقف إطلاق النار، لافتا إلى أن تلك الخطوة تؤكد استمرار حكومة نتنياهو في ضرب القرارات الدولية والقوانين الإنسانية عرض الحائط للسيطرة على الأراضي الفلسطينية ومنها إلى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء؛ مما يمثل تهديدا للأمن القومي المصري.
وأكد أن تلك الخطوة الاستفزازية من قبل الاحتلال الإسرائيلي تأتي في وقت ارتفعت فيه فرص التوصل إلى هدنة بفضل جهود الوساطة التي تبذلها مصر بالتعاون مع شركاء إقليميين ودوليين، الأمر الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن إسرائيل لا تريد وقف آلة حربها الشعواء على المدنيين العزل في قطاع غزة، خاصة بعد السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح والتي تعني قطع آخر شرايين الحياة بالنسبة للفلسطينيين في غزة، حيث يعد المعبر هو المنفذ الآمن لخروج الجرحى والمرضى لتلقى العلاج، ولدخول المساعدات الإنسانية الإغاثية.
وأشار إلى أنه يجب على الأطراف الإقليمية والدولية ممارسة أقصى درجات الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإجباره على المضي قدما في المفاوضات ووقف إطلاق النار والتوصل لاتفاق يقضي بتبادل الأسرى والسجناء، كما يجب على الولايات المتحدة الأمريكية -الداعم الرئيسي لحكومة تل أبيب- والتي استخدمت حق الفيتو لصالح إسرائيل عدة مرات بمجلس الأمن إلى الاضطلاع بمسئوليتها وردع «حكومة نتنياهو» عن الاستمرار في جرائمها والعودة إلى المفاوضات من أجل إنهاء تلك الحرب الانتقامية التي ضحاياها هم المدنيون.
اجتياح مدينة رفح
ومن جانبه، قال الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي والخبير في النزاعات الدولية، إن اجتياح مدينة رفح الفلسطينية والسيطرة على المعبر البري من الجانب الفلسطيني، يعد انتهاكا للقانون الدولي والإنساني، ويقوضان فرص تثبيت التهدئة وإحياء المسار السياسي، كما يعد ذلك انتهاكا صارخا لاتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل، وملاحقها الأمنية.
وأكد «مهران»، أن اتفاقية كامب ديفيد، بما في ذلك ملاحقها الأمنية، تنص بوضوح في موادها على التزام الطرفين بصون سيادة وسلامة أراضي كل منهما، وحظر اللجوء إلى التهديد أو العنف المسلح، فضلا عن ضمان احترام الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية للسكان في الأراضي الخاضعة للاحتلال.
وتابع، أن ما تقترفه إسرائيل من جرائم ممنهجة بحق المدنيين العزل في رفح، يتنافى تماما مع جوهر ونصوص اتفاقية السلام، التي كان يُفترض أن تضع حدا للنزاع، ليس فقط بين مصر وإسرائيل، وإنما بين إسرائيل وجيرانها العرب، كما أكدت على ذلك ديباجة الاتفاقية.
وأردف أن المادة الأولى من اتفاقية كامب ديفيد أكدت على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والتي انتهكتها إسرائيل بشكل صارخ من خلال استهداف الأبرياء في رفح والاجتياح البري، كما أن معاهدة السلام تضمنت التزاما بانسحاب القوات الإسرائيلية والمستوطنين إلى حدود ما قبل يونيو 1967، لافتا إلى أن المادة الثانية من الاتفاقية شددت على حظر اللجوء إلى التهديد أو استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي للطرفين، في حين أن الاجتياح الإسرائيلي لرفح ينتهك هذا النص بشكل سافر، حيث يمثل تعديا على سيادة الأراضي الفلسطينية، وتهديدا محتملا للأمن القومي المصري.
وشدد على أن ذلك يهدف إلى تهجير سكان غزة إلى سيناء؛ ما يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري، وما يستدعي مراجعة القاهرة لعلاقتها بـ«تل أبيب»، والنظر في خيار الانسحاب من اتفاقية السلام وفقًا لما تقضي به المواثيق الدولية.
وأشار إلى أن المادة الرابعة من كامب ديفيد نصت على إقامة مناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود المصرية الإسرائيلية، وهو ما خرقته إسرائيل باجتياحها لرفح بقواتها وبإدخال المعدات الثقيلة، محذرا من استمرار الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة والمتكررة لأحكام اتفاقية كامب ديفيد، قائلًا إن تمادي إسرائيل في مخالفة التزاماتها التعاقدية تجاه السلام مع مصر وفلسطين، يمنح القاهرة الحق القانوني الكامل في تعليق العمل بالاتفاقية أو الانسحاب منها، وفقًا لقواعد القانون الدولى.
وأكد أستاذ القانون الدولي، أنه يجب على المجتمع الدولي القيام بمسؤولياته في وقف جرائم الحرب الإسرائيلية، ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب، وضمان مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني؛ تمهيدا لتحقيق سلام عادل وشامل ينهي معاناة الشعب الفلسطيني ويصون الأمن القومي المصري.