رئيس التحرير
خالد مهران

الدكتور محمد حمزة يكتب: تراثنا بين الهدم والبيع.. وماذا بعد؟

الدكتور محمد حمزة
الدكتور محمد حمزة

تراثنا بين الهدم والبيع.. وماذا بعد؟ هل وصلنا إلى هذه المرحلة؟ المرحلة اللي وصل إليها البرنس شوكت حلمي( الفنان أحمد مظهر) في فيلم الأيدي الناعمة 1963م من تأليف الأديب توفيق الحكيم والذي اضطرته ظروف الحاجة والعوز إلى أن يؤجر السراية أولا إلى تاجر مواشي غني وهو المعلم لولو ( الفنان كامل أنور ) مقابل أن يسكن معهما نظير الأكل والشرب وكانت عائلة المعلم زوجته ظاظا (الفنانة وداد حمدي) وقططها ثم اضطر البرنس ثانية إلى أن يبيع إرث أجداده من النياشين والأنواط حتى يأكل ويعيش؟ وقد فوجئنا بعد محنة هدم تراث القرافة في محور صلاح سالم بالرغبة في بيع القصور التراثية ومنها قصر إسماعيل باشا محمد21ش شجرة الدر بالزمالك وتشغله كلية التربية الموسيقية جامعة حلوان وهو مسجل علي قائمة الطراز المعماري المتميز المستوي أ منذ عام2009م وكود التوثيق 03180001157

وقد أخرج الجهاز القومي للتنسيق الحضاري كتاب جزيرة الزمالك القيمة والتراث2020م.

كما تم اعتماد حدود وأسس الحفاظ علي جزيرة الزمالك ذات القيمة المتميزة من قبل المجلس الاعلي للتخطيط والتنمية العمرانية طبقا للقانون119لسنة2008م ولائحته التنفيذية.

وفي دليل أسس ومعايير التنسيق الحضاري للمباني والمناطق التراثية فإن مستوي التصنيف أ طبقا للقانون144 لسنة2006م، فإن العقارات المسجلة ضمن هذا المستوي يجب عدم المساس بها من الداخل والخارج مع السماح بترميمها وتوظيفها.

وهو ما طبقته إدارة الكلية فلدينا مستند رسمي من عميد الكلية الأسبق اد عاطف عبد الحميد مؤرخ في 28 ديسمبر2015م يطلب فيه من رئيس جامعة حلوان الأسبق الأستاذ الدكتور  ياسر حسني محمد صقر إدراج تطوير واجهات المباني التعليمية ضمن أعمال تطوير وترميم المبنى الأثري الرئيسي (القصر) بالكلية وذلك بما يتناسب مع الطراز المعماري واستكمالا لأعمال التطوير بالكلية.

وبالتالي هل يمكن التفريط في هذا المبني وبيعه لمستثمر عربي؟؟؟ مع نقل الطلبة وأعضاء هيئة التدريس إلى العاصمة الإدارية أو 15 مايو وهو الأمر الذي يرفضه أعضاء هيئة التدريس بالكلية؟؟؟ علما أن الدولة المصرية عقب ثورة يوليو 1952م قد أصدرت القانون رقم521لسنة1955م بشأن الاستيلاء علي العقارات اللازمة لوزارة التربية والتعليم؟.

كما صدر القانون رقم252لسنة1960م في شأن تعديل بعض الأحكام الخاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة والاستيلاء علي العقارات وبناءا علي ذلك صدر قرار رئيس الجمهورية رقم427لسنة1980م والذي نشر بالجريدة الرسمية العدد44في30 اكتوبر 1980م ونصه ان يستولي بالإيجار علي هذا العقار لاستخدامه في الغرض المخصص له كمقر لكلية التربية الموسيقية جامعة حلوان.

وقد أقام الورثة الدعوي رقم2241لسنة1976م كلي جنوب القاهرة لإخلاء العقار وتسليمه لهم خاليا من المنشآت التي أقيمت فيه وتعويضهم وتمسكت الجامعة بالقصر والمباني الثلاثة المستجدة بجواره وضمن نطاقه لمصلحة التعليم فيها وتم حصول الورثة علي الثمن المتفق عليه في الثمانينات من القرن العشرين المنصرم وذلك خلال خمس سنوات.

وهذا القصر من القصور المتميزة معماريا وفنيا فقد أمر بإنشائه إسماعيل باشا محمد توفيق عام1923م وهو ممن تقلد وظائف كثيرة منها ناظر قلم الهندسة ومفتش هندسة الوجه القبلي وأخيرا رئيس مجلس الشوري عام1899م.

وبني القصر على الطراز القوطي المستحدث مع وجود لمسات وملامح الطراز المصري الإسلامي في القاعة العربية ويشغلها مكتب وكيل الكلية لشئون البيئة وكذلك لمسات وملامح الطراز الرومي في الزخرفة.

ومن هذا وذاك الطوب الأحمر والحجارة كمادة بناء ومنها الأبراج الركنية والبريجات المتناثرة علي الواجهات والشرافات والعقود المتنوعة مفردة ومركبة ومتقاطعة ودائرية وزخرفة الدروع والحشوات الغاطسة والأعمدة والبائكات والتيجان الكورنثية ونوافذ اللانسيت ونوافذ الزجاج الملون المعشق

بالرصاص والأخرى المعشقة بزخارف جصية مفرغة.

ومنها الحليات الشبكية وأشغال المعادن والرخام الخردة في فسقية القاعة العربية علي الطراز المصري الإسلامي والأخشاب المطعمة ذات الأطباق النجمية وأجزائها والأسقف الخشبية ذات البراطيم التي تحصر بينها مربوعات وتماسيح مجلدة ومذهبة وغير ذلك.

أما مهندس القصر فمختلف عليه فمن قائل إنه المهندس الإيطالي الشهير ماريو روسي وهذا هو الأرجح ومن قائل إنه أرنستوفيروتشي ومن قائل أنهما ادولفو برنداني ودومينيكو ليمونجلي.

ومماله دلالته ان إسماعيل باشا قد أفلس ومن ثم اضطرّ إلى بيع هذا القصر إلى هينون باشا ولذلك ظل القصر بيد ورثته كل من السيدتين كريستيان ايفنت هنون وبلاوي لويز هنون حتي تم الاستيلاء عليه أولًا بالإيجار ثم بالبيع لاستخدامه كمقر لكلية التربية الموسيقية علي نحو ما اشرنا سابقا ولدينا القرار الجمهوري والحكم لصالح العملية التعليمية بجامعة حلوان.

وعلى ضوء ما تقدم كيف نفرط في هذا القصر النادر والمتميز ويتم بيعه لمستثمر عربي في ظل عدم موافقة أعضاء هيئة التدريس علي ذلك وعلي نقل الكلية إلى مكان أخر سواء العاصمة الإدارية أو مقر الجامعة في15مايو وسوف يحضر اد رئيس الجامعة الحالي اد سيد قنديل إلى الكلية في أواخر هذا الشهر ( ديسمبر) وقيل يوم23 ليناقش أعضاء هيئة التدريس في هذا الأمر علما ان سيادته عضو معنا في لجان خبراء التنسيق الحضاري بوزارة التعليم العالي ولم نوافق في كل اللجان وهو معنا علي حذف اي مبني مسجل كطراز معماري متميز سواء بالقاهرة أو بالمحافظات في الوجهين القبلي والبحري؟.

وبعد نرجوا ألا يكون ذلك ( إن كان قد حدث فعلا أو. سوف يحدث قريبا )بداية لسلسلة من بيع القصور التراثية بالقاهرة والمحافظات.

آين دولة رئيس مجلس الوزراء؟

أين وزير الإسكان؟

أين وزير الثقافة؟

أين وزير السياحة والآثار؟

أين مجلس النواب؟

أين محافظ القاهرة؟

أين الجهاز القومي للتنسيق الحضاري؟

أين أساتذة العمارة والسياحة والآثار والجامعات المصرية والجمعيات واللجان والمجالس المتخصصة؟

فإذا كان البرنس شوكت حلمي في الأيدي الناعمة إشتغل في النهاية في السياحة كمرشد سياحي وحافظ علي قصره؟فلماذا لا نحافظ علي هذا القصر وغيره من القصور التراثية الكثيرة وندرجها ضمن المقاصد السياحية الجديدة الجاذبة؟

لا سيما وأن هناك من أنواع. السياحة الجديدة الجاذبة سياحة القصور سواء الملكية أو التي ترجع إلى العصر الملكي

وما يرتبط بها من قصص الف ليلة وليلة، أو يتم اعادة تأهيلها وتوظيفها كما نص علي ذلك القانون تماما مثل قصر سميحة كامل وقصر عائشة فهمي بالزمالك أيضًا؟

أيها المسئولون كفاكم تفريط في تراثنا؟

التراث هويتنا وقوتنا الناعمة فلايملكه غيرنا مهما كانت الظروف.

ابحثوا عن حلول أخرى وفكروا خارج الصندوق وإطرحوا أفكارا جديدة ورؤي وإستراتيجيات مبتكرة تخرجنا مما نحن فيه، في ظل الظروف والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية بدلا من هدم التراث أو بيع مابقي منه.

بقلم:

الدكتور محمد حمزة أستاذ الحضارة الإسلامية وعميد آثار القاهرة سابقا