أسباب لجوء مصر للاقتراض من صندوق النقد الدولي
مطلع الأسبوع الجاري، أعلنت مصر عن لجوئها لصندوق الدولي للمرة الثالثة خلال آخر 5 أعوام، المرة الأولى كانت في 2016، واقترضت مصر حينها 12 مليار دولار، والمرة الثانية في 2020 وبلغ حجم الاقتراض 7.5 مليار دولار، بإجمالي قروض بلغت 21 مليار دولار حتى الآن.
ويأتي لجوء مصر إلى صندوق النقد الدولي بعد تراجع قيمة الجنيه المصري بحوالي 16% مقابل الدولار الأمريكي، حيث بلغ سعر الدولار مقابل الجنيه نحو 18.54 جنيه حتى الآن، وذلك عقب رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة الرئيسية لليلة واحدة بمقدار 1%.
ووفقًا لبيان صادر عن الحكومة خلال الأسبوع الماضي، فإنها أقرت حزمة لتخفيف الضغوط الاقتصادية بقيمة 130 مليار جنيه، في خطوة وصفها محللون بأنها هادفة لكسب دعم صندوق النقد الدولي.
وبحسب مذكرة أصدرها البنك الأمريكي «جيه بي مورجان»، فإن هذا الإجراء سيكون متماشيًا مع متطلبات صندوق النقد الدولي، حيث أصر الصندوق على مرونة سعر الصرف، وإقرار حزمة تقشف حكومي، وإتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص للعمل.
وكشفت سيلين ألارد، رئيسة بعثة مصر لصندوق النقد، في بيان أصدرته يوم 23 مارس، أن مصر طلبت دعما من الصندوق لتنفيذ برنامجها الاقتصادي الشامل، مضيفةً أن البيئة العالمية المتغيرة بسرعة والتداعيات المرتبطة بالحرب في أوكرانيا تشكل تحديات مهمة للبلدان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مصر.
وأوضحت «ألارد»، أن الموظفين يعملون عن كثب مع السلطات المصرية للتحضير لمناقشات البرنامج بهدف دعم أهدافنا المشتركة المتمثلة في الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام والغني بالوظائف والشامل على المدى المتوسط لمصر.
كما قال السفير نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء، إن مصر نفذت برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتواصل مع صندوق النقد الدولي بشكل دائم، مضيفًا أن مصر لم تنقطع عن صندوق النقد الدولي، ودائمًا ما كانت تتلقى دعمًا فنيًا، حيث كان الصندوق يعتبر مصر تجربة ونموذجا ملهما.
وأضاف، أن العالم يمر بظروف غير مسبوقة من الأزمات، لذا تقدمت مصر بطلب لصندوق النقد الدولي لبدء مشاورات بخصوص برنامج جديد لمساندة الدولة في خططها للإصلاح الاقتصادي.
متطلبات صندوق النقد الدولي
وفقًا للبيانات المنشورة عبر الموقع الإلكتروني لصندوق النقد الدولي، فإن صندوق النقد طلب من مصر بعد خطوة خفض قيمة الجنيه، تقليص فاتورة دعم السلع الأساسية خاصة الطاقة، وانخفضت فاتورة دعم الطاقة من 105 مليار جنيه في موازنة 2015/ 2016 إلى 28 مليار جنيه في موازنة 2021/ 2022.
كما تم إنشاء لجنة التسعير التلقائي وبدأت في تسعير الوقود كل ثلاثة أشهر، بناء على أسعار البترول في الأسواق العالمية، وأسعار صرف الدولار مقابل الجنيه، ومنذ ذلك الحين، شهدت أسعار المحروقات عدة ارتفاعات، ما انعكس على أسعار الكهرباء والمياه.
وبحسب صندوق النقد الدولي، سيتعين على مصر الالتزام بمعايير استثنائية للحصول على تمويل، بسبب تجاوزها حصة الاقتراض العادية، وذلك يعني أنها ستخضع لمستوى أكبر من التدقيق والمراجعة.
وذكر بنك الاستثمار رينيسانس كابيتال في مذكرة: «نتفق مع الإجماع على أن هذه خطوة سيرحب بها صندوق النقد الدولي».
وبحسب المحللون، فإن صندوق النقد الدولي يضغط لتقليص فاتورة الدعم بعض السلع الأساسية المتبقية وهي دعم الخبز والسلع التموينية والتي تصل تكلفتها السنوية إلى 87 مليار جنيه وفقًا للموازنة العامة 2021/ 2022.
هذا على الرغم من معاناة نحو 29% من الشعب المصري من الفقر، وفقًا لأحدث بيانات نشرة الدخل والإنفاق الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ما يعني إضافة مزيد من العبء على الأسر المصرية، نتيجة تقليص فاتورة الدعم.
كما تستهدف مصر الوصول بنسبة العجز في الموازنة العامة إلى 6.6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للعام المالي الجاري 2021/ 2022، وذلك انخفاضًا من 8.1% في العام المالي السابق 2020/ 2021، ويُطالب الصندوق بالمزيد من الإجراءات التقشفية عن طريق تقليص الإنفاق العام من جهة وزيادة حجم الإيرادات من جهة أخرى.
كما يطلب صندوق النقد الدولي، تقليص حجم الأجور في القطاع العام، عبر طرح المزيد من الأصول الحكومية للخصخصة أو ما يعرف ببرنامج الطروحات العامة، وهذا يعني زيادة الضرائب القائمة، وربما ضرائب جديدة، على غرار ما حصل تزامنا مع قرض الصندوق لمصر في العام 2016، حيث فرضت مصر ضريبة القيمة المضافة، وهي الآن مطالبة برفعها.
لكن الدكتور محمد معيط، وزير المالية، قال إن البرنامج الجديد مع صندوق النقد الدولي لا يشمل أي أعباء إضافية على المواطنين، موضحًا أن الحكومة تضع خططًا وفق أسوأ السيناريوهات في ضوء أزمة أوكرانيا.
وأضاف، أن الحكومة حريصة على الحفاظ على صمود الاقتصاد باتخاذ خطوات استباقية تدعم النمو.
إلى ذلك، قال الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن مصر تأثرت سلبًا بنتائج الحرب الروسية الأوكرانية، سواء بتراجع إيرادات السياحة، أو ارتفاع أسعار القمح العالمية، مما أثر على الموازنة العامة وعلى نسبة العجز بها.
وأضاف، أن ارتفاع أسعار القمح العالمية تسبب في زيادة تكلفة استيراد الأقماح عالميًا بصورة كبيرة، حيث ارتفع سعر طن القمح عالميًا إلى أكثر من 450 دولارا، بعدما سجل سعره نحو 250 دولارا فقط.
وأشار «السيد» إلى أن أسعار النفط أيضًا ارتفعت بعد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا وسعيها إلى حرمانها من روسيا من تصدير نفطها الخام، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار خام البترول من 61 دولارا كما هو منصوص عليه في الموازنة العامة إلى نحو 114 دولارًا للبرميل.
ولفت «السيد» إلى أن الأزمة العالمية أدت أيضًا إلى قرار الفيدرالي الأمريكي بزيادة سعر بنسبة 0.25% مما كان له أثر سيئ على الأسواق الناشئة ومنها مصر بطبيعة الحال، حيث خرج من مصر بعض المستثمرين إلى الولايات المتحدة وأوروبا.
وأشار مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، إلى أن اتجاه مصر لصندوق النقد الدولي كان آخر حل، من أجل حلحلة الأزمة العالمية، مضيفًا أن مصر طرحت أيضًا سندات بالين الياباني أو ما يسمى سندات ساموراي.
وأضاف، أن مصر تعمل على إعادة هيكلة الدين الخارجي من خلال تنويع أدوات الدين، فضلًا عن توزيع سلة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، وعدم الاعتماد فقط على الدولار، وجذب سيولة إضافة لسوق الأوراق المالية، في ظل الضغط على طلب الدولار.
وتوقع «السيد»، حصول مصر على قرض من صندوق النقد الدولي بنحو 2 مليار دولار، فضلًا عن التمويل من خلال السندات وأذون الخزانة التي تطرحها الحكومة، من أجل سد احتياجاتها من الدولار لسد فاتورة الاستيراد.