أسرار تعثر مفاوضات الحكومة للحصول على قرض صندوق النقد الدولى
يواجه الاقتصاد المصري أزمة كبرى، نتيجة تداعيات القرار الأمريكي برفع الفائدة نصف في المائة، وتراجع الاحتياطي الأجنبي بالبنك المركزى لـ37 مليار دولار بعد أن كان 40 مليار دولار، كما تراجعت صافي الأصول الأجنبية لمصر 9 مليارات دولار في شهر مارس الماضي.
وتبحث الحكومة المصرية عدة سيناريوهات للتعامل مع الأزمة الاقتصادية التي يخشى أن تهدد استقرارالبلاد خلال الفترة المقبلة، وفي هذا الإطار حصلت «النبأ» على معلومات غاية في الأهمية تتعلق بالقرض المالى الذي تقدمت له مصر لصندوق النقد الدولى خلال الفترة الماضية.
وقالت المصادر، إن هناك أزمة بين الطرفين وما يشبه تعثرا كبيرا في المفاوضات، حيث يضع صندوق النقد الدولي شروطا صعبة جدًا للموافقة على حصول الحكومة على القرض، وهو ما تراه الحكومة أنها ستتسبب في وضع أعباء إضافية على كاهل المواطنين الذين يعانون أصلًا من تبعات الأزمة، ما قد يدفعهم إلى الغضب.
وأعلنت الحكومة المصرية، في وقت سابق، أنها قدمت طلبًا إلى صندوق النقد الدولي لبدء مشاورات بخصوص برنامج جديد يتضمن تمويلًا إضافيًا لصالح مصر.
وقالت رئاسة الوزراء المصرية، إن البرنامج يهدف إلى مساندة الدولة المصرية في خططها الخاصة بالإصلاح الاقتصادي الوطني الشامل.
وأوضحت المصادر، أن مفاوضات جرت أخيرًا شاركت فيها وزيرة التعاون الدولي المصرية رانيا المشاط، ومسؤولين في الصندوق، تضمنت جوانب متعددة.
وحسب المصادر، يشترط صندوق النقد الالتزام بسعر مرن للصرف، ما قد يؤدي لانفلات سعر الدولار بشكل يضر بالملايين، بالإضافة إلى شرط الإسراع في تنفيذ برنامج الخصخصة، وتفكيك الهيئات الاقتصادية الحكومية وإعادة هيكلتها وطرحها للبيع، ما قد يضر بالكثير من الموظفين أيضًا.
كما تتمثل الشروط في طلب الصندوق إجراء مزيد من خفض الدعم مع العمل على إلغاء دعم الطاقة بشكل تدريجي، وطلب الصندوق ضرورة العمل على خفض عجز الموازنة بشكل تدريجي حتى تصل إلى المعدلات الآمنة.
وقالت المصادر، إن الصندوق يطلب من الحكومة المصرية أن تعمل على تعزيز الإيرادات العامة للدولة، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، كذلك طرح حصص من الشركات العامة والأصول الحكومية للبيع للمستثمرين الأجانب.
وقالت المصادر، إن الحكومة المصرية تخشى أيضًا من اقتناع الكثيرين بأن «سياسة الإصلاح الاقتصادي»، التي وضعها الصندوق وروّج لها النظام المصري على مدار السنوات الماضية، أدت إلى زيادة الفقر وسوء توزيع الدخل وانعدام المساواة، على الرغم من محاولات النظام تحسين صورته الشكلية ببرامج اجتماعية مثل «تكافل وكرامة».
وما يزيد من تعثر مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولى، طلب الحكومة من الصندوق إعادة هيكلة ما تبقى من القرض القديم المقدر بـ12 مليار دولار، وتمديده بعد زيادة قيمة الفوائد المستحقة عليه، وهو الأمر الذي لم يُحسم من جانب إدارة الصندوق حيث يرى الأخير أن طلب الحكومة يعد مؤشرًا سلبيًا قبل بدء الحديث عن البرنامج الاقتصادى الجديد التى تتحدث عنه مصر وتفاوض الصندوق عليه للحصول على القرض الجديد.
وكشفت المصادر، أن الوزيرة المصرية فاجأت المسؤولين بالصندوق بشأن تصور مصر لمبلغ القرض الجديد، بعدما أكدت أن القاهرة ترغب في الحصول على 20 مليار دولار ضمن برنامج جديد، مع تعهدها بتنفيذ كافة ملاحظات الصندوق الخاصة بأي إصلاحات اقتصادية يتم طرحها.
ووفقًا للمصادر، فإن المسؤولين في الصندوق أبلغوا الوزيرة باستحالة تقديم مبلغ عشرين مليار دولار، مؤكدين أنه لا يمكن بأي حال تنفيذ هذا المقترح لاعتبارات سياسية واقتصادية كثيرة.
وأوضحت المصادر أن المسؤولين في صندوق النقد الدولي أكدوا للوزيرة المصرية أن الدراسات الخاصة بهم، التي أجريت حول المطلب المصري المقدم منذ أشهر عدة للحصول على برنامج إصلاح اقتصادي جديد، تتراوح تصوراتها بين ثمانية إلى عشرة مليارات دولار، وهو التصور الذي قالت عنه الوزيرة إنه لا يلبي التطلعات المصرية، والالتزامات التي تفرضها المرحلة الراهنة، وطبيعة الأزمة التي تمر بها القاهرة في الوقت الحالي.
وأشارت المصادر إلى أنه بعد إطلاع «المشاط» القيادة السياسية على تفاصيل المحادثات، والتصور المقترح من الصندوق بشأن القرض الجديد، وما دار من نقاشات في هذا الشأن، طُلب منها العودة مجددًا بمقترح بألا يقل القرض الجديد عن قيمة القرض السابق المقدر بـ12 مليار دولار.
وبحسب المصادر، تفضّل مصر الاقتراض من صندوق النقد الدولي دون غيره من المؤسسات، بحكم انخفاض قيمة فوائده على القروض نسبيًا.
لكن المصادر أشارت، في الوقت ذاته، إلى أن القرض الجديد قد يكون غير ميسّر، نظرًا لضخامة مديونية مصر للصندوق، إذ قد يصل سعر الفائدة عليه إلى 4 في المائة سنويًا، وهو يزيد 5 مرات تقريبًا عن سعر الفائدة الأساسي على قروض الصندوق، وعن سعر الفائدة الذي قال وزير المالية محمد معيط، إن مصر حصلت عليه في سندات الساموراي اليابانية بـ0.85 في المائة.
من جانبه يرى الدكتور إبراهيم صالح الخبير الاقتصادي بالمعهد القومي للتخطيط سابقا، إنه في كل مفاوضات تبدأها الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض، تتجدد مخاوف المصريين وترتفع أصوات البعض التي تطالب بضرورة الحذر في الشروط التي يمليها الصندوق على الحكومة المصرية حتى يوافق على منح مصر قروض.
وتوقع الخبير الاقتصادي، موافقة مصر على شروط صندوق النقد الدولى بشأن القرض، في ظل حاجتها لتمويل العجز في الموازنة العامة وتجاوز أزمة الدولار التي تسببت في ارتفاع معدلات التضخم إلى أرقام قياسية، والمشكلة الآن ليست في الموافقة على الشروط من عدمها، ولكن قد تكون تعثر المفاوضان بسبب قيمية القرض، حيث ترغب مصر في الحصول على 20 مليار دولار في حين يرى الصندوق أن أقصى قدرة للقرض لن تزيد عن 12 مليار دولار كحد أقصى في المفاوضات رغم أن الصندوق يوافق على قرض 9 مليارات دولار فقط حتى الآن لمصر.
وتوقع «صالح»، حدوث أزمات اقتصادية كبير وتداعيات خطرة نتيجة هذا القرض، حيث ستضر الحكومة لاتخاذ المزيد من القرارات الهامة أبرزها، تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار، وسوف يكون لذلك تداعيات سلبية على الأسعار التي ستشتعل أكثر مما حدث وتجاوزت في بعض أنواع السلع والخدمات أكثر من 200%.
وأوضح أن الأزمة الثانية تتمثل في طلب الصندوق إجراء مزيد من خفض الدعم مع العمل على إلغاء دعم الطاقة بشكل تدريجي، وهو ما سبق أن طالب به الصندوق في أول مفاوضات أجرته معه قبل نحو 4 سنوات، وتعمل الحكومة المصرية على ذلك من خلال رفع الدعم بشكل تدريجي، وهو ما يزيد أعباء الأسر المصرية بعد ارتفاع قيمة فواتير المياه والكهرباء وجميع المحروقات.
وتتمثل الأزمة الثالثة في طلب الصندوق ضرورة العمل على خفض عجز الموازنة بشكل تدريجي حتى تصل إلى المعدلات الآمنة، وهو ما سيتطلب العديد من الإجراءات الصعبة التي تؤدي في النهاية إلى خفض الإنفاق العام وتقليص حصة العدالة الاجتماعية في الموازنة العامة للدولة وخفض إجمالي ما ينفق على الدعم.
وأنهى الدكتور إبراهيم صالح، حديثه لـ«النبأ»، قائلًا: «أما ما يتعلق بخفض قيمة الدعم، وهو ما يخشاه غالبية المصريين من محدودي الدخل، لكن بدأت الحكومة فعليًا في تطبيق ذلك، وكانت البداية من الكهرباء وخفض المبالغ المخصصة لدعم شركات الكهرباء، وأيضًا رفعت أسعار المحروقات خلال الفترات الماضية، كما رفعت أسعار وفواتير المياه، وكل ذلك يمثل أعباءً إضافية على كاهل المصريين».