أحمد عمران يكتب: مواجهة شهود الإثبات بالمتهمين في عرض قانوني
شاهدت لأول مرة في حياتي «عرضًا قانونيًا»، للمتهمين في جريمة قتل شخص أمام عقار بأحد الشوارع في دار السلام جنوبي القاهرة، فما بين استماع المحقق لأقوال زوجة المجني عليه، وإنكار المتهمين لارتكاب الجريمة، هناك من يسعى لتحقيق العدل في القضية عن طريق شاهدة الإثبات.
مشهد واقعي لإظهار قدرة المحقق على تحقيق العدل
لا أسعى في وصف هذا المشهد إلا لإظهار مدى قدرة المحقق على التأكد من صدق رواية «شاهد الإثبات»، لتحقيق العدل، وشهود الإثبات: هم الذين يشهدون على الوقائع التي يستدل منها على ارتكاب الجريمة وإسنادها للمتهم وتثبت عليه بشهادتهم، حيث أن للشهادة أهمية خاصة في المسائل الجنائية إذ أنها إحدى الأدلة المعنوية التي يعتمد عليها في تقرير مصير المتهم.
يدخل الشاهد على المحقق ويجلس أمامه، ليشرع المحقق في سؤال لشاهد عـن أسمـه ولقبـه وصناعته ومحل إقامته وصلته بالمتهم والمجني عليه والمشتكي والمدعي بالحق المدني وما درجة هذه الصلة بهم، فيحلف باليمين بأن يشهد بالحق دون زيادة أو نقصان، فعدم الحلف يؤدي إلى بطلان الشهادة.
كما يسأل المحقق الشاهد عن معلومات في القضية، تاركا إياه بسردها مـن تلقاء نفســه سواء بتعابير خاصة أو بلهجة عامية، وبعــد انتهــاء المحقق مـن تدويــن أقـوال الشاهد في محضر التحقيق دون شطب في الكتابة أو تعديل أو إضافة يوقع الشاهد عليها بعد قراءتها من قبله أو تلاوتها عليه.
ففي جريمة قتل شخص على يد سيدة وشقيقيها وزوجها بتحريض من الأولى، في دار السلام بالقاهرة، كانت تقف سيدة «شاهدة الإثبات» في شرفة مسكنها لتشاهد قيام المتهمين بالتعدي على المجني عليه بالضرب وقتله باستخدام (سنجة وعصا شوم) فوق الرأس ليسقط على الأرض جثة هامدة، ثم فروا هاربين، لتخرج زوجة الضحية وتجد أبو العيال غارقًا في بركة من الدماء مفارقًا الحياة.
لم ترى زوجة الضحية المتهمين لكونهم فروا هاربين، بينما كانت السيدة تقف في شرفة مسكنها شاهدة إثبات على خروج المجني عليه من مسكنه وفوجئت بانقضاض 3 أشخاص – ملامح وجوههم واضحة لها- على الضحية واعتدوا عليه وقتله باستخدام (سنجة وعصا شوم).
وبعد توصل رجال الأمن للمتهمين؛ تم ضبطهم (سيدة وشقيقيها وزوجها)، وتبين قيام المتهمين الثاني والثالث والرابع بقتل المذكور بتحريض من الأولى، بسبب لهو الأطفال بعد خروجهم من المدرسة وحدث وقتها مشادة كلامية بينهم، الأمر الذي أثار حفيظة المتهمة والدة الطفل، لتحريض على ارتكاب الجريمة انتقاما لولدها من والد الطفل، وبدأت النيابة العامة، تستمع أقوال زوجة المجني عليه، وإنكار المتهمين لارتكاب الجريمة، كلام السيدة شاهدة الإثبات في القضية.
وبعد استماع المحقق كلام شاهدة الإثبات، أخبرها بعمل «عرض قانوني» بسرايا النيابة- أي مواجه شاهدة الإثبات بالمتهمين للتعرف عليهم - وذلك تأكيدًا على كلامها، فطلبت عدم إظهار وجهها أمام المتهمين حتى لا تتعرض لأذى، وحرصًا من المحقق على حياة شاهدة الإثبات سمح لها بارتداء «نقاب» لإخفاء وجهها.
هنا أصف لكم العرض القانوني كما شاهدته، حيث أحضر المحقق المتهمين الثلاثة، دون المحرضة، وضم لهم 3 أشخاص آخرين ليس لهم صلة بالجريمة، أوقفهم صفًا واحدًا في مواجهة الحائط وطلب منهم تبديل الملابس فيما بينهم، وأحضر الشاهدة للمرور على المتهمين من خلفهم لتتفحص خلفياتهم، فطلب المحقق التفاف أفراد العرض الـ6 من بينهم المتهمين الثلاثة لمواجهة شاهدة الإثبات لتحديد المتهمين وذلك إذا صدقت روايتها مع تعرفها على المتهمين فيكون بذلك إثبات التهمة على المتهمين وهذا ما حدث بالفعل حيث تعرفت على المتهمين وتم حبسهم على ذمة القضية وإحالتها إلى محكمة الجنايات.
وجاء في قرار الإحالة إلى محكمة الجنايات قيام المتهمين «ع. ع» 40 سنة، تاجر، وشقيقه «م» 25 سنة، تاجر، و«م. أّ» هارب، 46 سنة، تاجر فاكهة، بقتل «آ.ق» عمدًا مع سبق الإصرار والترصد، بأن بيتوا النية وعقدوا العزم المصمم على قتله، وأعدوا لذلك الغرض أداتين (سنجة، عصا شوم) دون أن يوجد لحملهما مسوغ قانوني أو مبرر من الضرورة المهنية أو الحرفية، وتربصوا به بمحيط مسكنه وما أن ظفروا به حتى انقض عليه المتهمان الأول والثاني وكالا له الضربات بأداتي بطشهما، حال تواجد المتهم الثالث على مسرح الواقعة؛ لمؤازرتهم، محدثين به الإصابات التي أودت بحياته.
وتبين من قرار الإحالة أن المُتهمة الرابعة «هـ. ع» 34 سنة، ربة منزل شقيقة المُتهمين الأول والثاني بالاشتراك مع باقي المتهمين بطريق التحريض في ارتكاب الجريمة محل الاتهام السابق، بأن حرضتهم على قتل المجني عليه، إثر خلاف سابق بينهم، وتمت الجريمة بناء على هذا التحريض.
فقد كانت شهادة السيدة صادقة، ففي عقوبة الشهود الزور يتم إعدام الشاهد الكاذب إذا أدت شهادته إلى الحكم بالإعدام على المتهم فى القضية وتم تنفيذ الحكم عليه، بينما يعاقب بالسجن شهود الزور الذين أدت شهادتهم إلى سجن متهم عدة سنوات وهو برئ من التهمة التي سبق ووجهت إليه.
وختامًا، فقد ذم الله تعالى قول الزور، وذم أيضًا شهادة الزور، لما تؤدي إليه من تضييع الحقوق، فقال الله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، وقال تعالى في صفات المؤمنين: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان:72].