بين تحقيق العدالة الناجزة وتحديات التحول الرقمى..
خطة وزارة العدل لاستخدام الذكاء الاصطناعي في حبس المتهمين
حققت وزارة العدل طفرة هائلة من خلال التقاضي الإلكتروني، وتمكنت من حجز مقعد لها في قطار التحول الرقمي، للقصاء على بطء الإجراءات وتحقيق عدالة ناجزة وتوفير الخدمات في سهولة ويسر، وهو ما تسعى إليه بكل جدية نحو استكمال ما بدأته من إنجازات تسهم في نهضة قطاع العدالة في مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ويهدف التقاضي الإلكتروني من خلال التحول الرقمي إلى تيسير حصول المواطنين على كافة الخدمات التي يطلبونها تحقيقًا للعدالة الناجزة التي سعت إليها وزارة العدل على أرض الواقع، وهو ما يوفر الوقت والجهد على المتعاملين، بداية من إيداع ملف الدعوى وقيدها عن بُعد بـ«الهاتف المحمول» مع توفير خدمة السداد الالكتروني للرسوم القضائية، وتحديد الجلسة وإخطار المدعي بشأن الدعاوى المدنية.
وتمكنت وزارة العدل على مدار العامين الماضيين من إضافة المزيد من صور التقاضي الإلكتروني في مختلف المحاكم، ولم تتوقف الثورة الإلكترونية داخل محاكم مصر على المحاكم الجنائية فقط؛ بل امتدت أيضًا إلى المحاكم المدنية والاقتصادية والإرهاب.
واعتمدت وزارة العدل عملية تجديد الحبس عن بُعد، وذلك بمثول المتهمين المحبوسين احتياطيًا بالسجون العمومية والمركزية عن بُعد أمام القضاء (محاكم استئناف ـ ابتدائي ـ جزئي) للنظر في تجديد الحبس، وتم إطلاق المشروع في جميع محافظات الجمهورية.
ونظمت وزارة العدل إدارة الجلسات الخاصة بنظر تجديد الحبس عن بُعد بحيث يتم من خلاله استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة مواعيد نظر جلسات تجديد الحبس عن بُعد، وتم إطلاق هذا المشروع في جلسات نظر تجديد الحبس عن بُعد بمحاكم: شمال القاهرة الابتدائية، وجنوب القاهرة الابتدائية، وحلوان الابتدائية، والقاهرة الجديدة الابتدائية.
ورغم التطورات التي حققتها الوزارة في قطاع العدالة والمميزات التي حققتها من خلال عملية التقاضي عن بعد؛ إلا أن هناك تحديات تواجه تطبيق عملية التقاضي الإلكتروني بشكل أمثل، وتجعل تطبيقه معيبًا في بعض الأحيان، إذ إن بعض التحديات التي تعيق التطبيق؛ «تقنية» ترجع لعوامل خارجة عن إرادة القضاة، فضلًا عن أن بعض المحاميين ليس لديهم كفاءة تمكنهم من التعامل مع الوسائط التكنولوجية التي تُعد وسيلة تواصلهم مع القضاء.
فالمعوقات المذكورة سواء المتعلقة بالتقنية أو بطرق التعامل مع الوسائط التكنولوجية؛ فكلها أمور يمكن معالجتها، لكن هناك تساؤلات مهمة تتطرق إليه «النبأ الوطني» في هذا الصدد، وتناقشه مع الخبراء والمتخصصين حول ما إذا كان نظام التقاضي الإلكتروني يصلح لكل القضايا في كل المحاكم أم لا؟، وهل التقاضي الإلكتروني يؤثر على العدالة نظرًا لافتقاد مبدأ المواجهة «وجهًا لوجه» مع المتهم أو الضحية أو الدفاع؟.
ففي تصريحات سابقة، كشف المستشار عمر مروان - وزير العدل عن أن مصر لها الريادة فى فكرة وتطبيق «تحويل الصوت إلى نص مكتوب»، وتم تسجيل الفكرة في حقوق الملكية الفكرية، وهو من أهم بنود التقاضي الإلكتروني، حيث يقوم على استخدام الذكاء الاصطناعي من خلال برنامج يحول كافة ما يجرى من حوار داخل قاعة الجلسة كمرافعات المحامين الشفوية وطلباتهم، وقرارات القضاة إلى محرر مكتوب يطبع في نهاية الجلسة ليوقعه القاضي وسكرتير الجلسة.
وبالفعل بدأ تطبيق تلك العملية بمحكمة القاهرة الجديدة، ومحكمة جنوب القاهرة، وقاعة الجنايات بمأمورية طرة، ومحكمة القاهرة الاقتصادية، وكذلك تم تركيب الشبكة الداخلية وتوريد أجهزة الصوتيات بقاعات محاكم (شمال القاهرة الابتدائية ـ شمال الجيزة الابتدائية ـ جنوب الجيزة الابتدائية ـ مجمع محاكم عابدين ـ مجمع محاكم مصر الجديدة).
وأكد وزير العدل، أنه من أهم إنجازات وزارة العدل خلال العامين الماضيين الانتهاء من مشروع إقامة الدعوى المدنية عن بعد فى 17 محكمة إبتدائية و21 محكمة جزئية ونظام مراسلات الإعلان في 35 محكمة إبتدائية.
وتعليقًا على ذلك، تقول الدكتورة صابرين أحمد مصطفى، المستشارة القانونية والمحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، إنها رصدت عدة مشكلات ظهرت خلال استخدامها التطبيق أمام إحدى الدوائر من خلال تجربتها العملية، ففي إحدى الدوائر التي حضرت أمامها وقفت أمام الشاشة عدة ساعات ولاحظت وجود تشتت من قبل القاضي، ووجدته غير منصت لحديثها بتركيز، الأمر الذي استشعرت من خلاله عدم سماع القاضي لها أثناء الحديث، وهو ما قد يتسبب في ضياع حق أصحاب الحقوق فضلًا عن أن فرصة المحامي في المرافعة الإلكترونية لم تكن كاملة لإبداء كل المرافعة نتيجة أن التعامل أصبح من خلال شاشة، وليست وجهًا لوجه.
وأكدت المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، في تصريحات خاصة لـ«النبأ الوطني» أن المشكلات منها: صعوبة تعامل القضاة وسكرتارية المحكمة مع المنصة الخاصة التي يظهر من خلالها المتهم في محبسه، وعدم سماع المتهم لما يجري في مكان انعقاد الجلسة، والعكس أحيانا.
وتكمل: «وعدم ظهور المتهم بشكل واضح وثابت ورائق يسمح للقاضي بمراقبته عن كثب والاستماع إليه، وعدم قدرة المحامي على التواصل مع المتهم بشكل خاص ومؤمّن، وعدم قدرة المتهم على متابعة عمل المحامي وتمثيله إياه بأمانة وبما يعبر عن مصالحه، وعدم وضوح ظروف المتهم ومن بصحبته في مكان عرضه داخل محبسه، وعدم السماح بوجود محام آخر بصحبة المتهم، وتعذر سير الجلسات بانسيابية ويسر بسبب ضعف الشبكات».
وأشارت إلى أنه رغم أن التحول الرقمي أظهر عددا من المستجدات الإيجابية في الإجراءات بالمحاكم الاقتصادية وبعض المحاكم المدنية مثل سرعة إتمام الإجراءات وسهولة الاطلاع على أوراق ومجريات الدعوى والإخطار بالمواعيد عبر الرسايل النصية القصيرة والبريد الإلكتروني، إلا أن من السلبيات أيضًا: الحاجة إلى الحضور الشخصي لإتمام بعض الإجراءات.
وتضيف: «وأيضًا من السلبيات الإلزام بسداد مصروفات بسيطة بواسطة بطاقات الدفع الإلكتروني عن طريق الحضور وليس عن بعد، ووجود أعطال في الخوادم (السيرفر) ببعض الجهات بشكل دائم، ووجود إشكاليات في استيعاب الأدلة الرقمية والتعامل معها حتى في المحاكم الاقتصادية المختصة بنظر أنواع القضايا المرتكزة على تلك الأدلة، واستمرار وجود صعوبة في الحصول على الأحكام من جميع الجهات القضائية بعد صدورها رغم رقمنتها».
وفيما يخص التعامل مع الوسائط التكنولوجية التي تُعد وسيلة تواصل أطراف العملية القضائية، أكدت المستشارة القانونية، أن بعض القضاة والمحامين والمحضرين وغيرهم؛ ليس لديهم كفاءة تمكنهم من التحكم في هذه الوسائط التكنولوجية، ولا بد أن يكون لديهم تكوين وكفاءة تمكنهم من التعامل مع وسيلة التواصل وذلك لتحقيق العدالة الناجزة.
وذكرت أن التحول الرقمي يُعد نقلة نوعية ليس فقط في مجال القضاء، ولكن في كثير من المجالات حيث أصبح استعمال التكنولوجيا حتميا، من شأنه أن يسهم في توفير الوقت والجهد، فضلًا عن توفير الخدمات في سهولة ويسر، والقضاء على الكثير من البيروقراطية وعراقيل الإدارة لأن المرفق القضائي به جانب إداري.
وردًا على سؤال حول هل التقاضي الإلكتروني يؤثر على العدالة نظرًا لافتقاد مبدأ المواجهة «وجهًا لوجه»؟، تؤكد المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، أن ما يتعلق بالمحاكمات المرئية أو المحاكمة عن بعد، فهي تبدو فيها مساس بعض الشيء بظروف ومدى توفر شروط المحاكمة العادلة.
وتابعت: «نتحدث هنا عن شخص يحاكم عن بعد في دقائق عبر شاشة التلفاز، لا أعتقد بأن الأمر سيكون بنفس الحقوق وبنفس الحرية، وبنفس التداعيات والتعابير، عندما يكون المتهم حاضرًا في جلسة المحاكمة أمام القاضي يتلقى الأسئلة ويقدم الأجوبة، يتفاعل، تبدو عليه ملامح الندم، أو لا تبدو ملامح قول الحقيقة والصدق أو العكس».
«التقاضي الالكتروني آلية لتقريب المواطن من القضاء لا يعقل أن يمس بحقوق المتقاضي أو ضماناته في التقاضي».. بهذه الكلمات بدأ المستشار عبدالله الباجا رئيس محكمة استئناف القاهرة السابق، حديثه لـ«النبأ الوطني»، مضيفًا أن التقاضي يهدف إلى التحول الجذري من أسلوب التقاضي التقليدي إلى الأسلوب الإلكتروني، والمساهمة في تخفيف العبء على المتقاضين والأجهزة القضائية وتبسيط الإجراءات على شركاء العدالة، خاصة المحامين وكذا الحد من البيروقراطية في القطاع والرفع من مستوى أداء المورد البشري فيه وتحقيق الشفافية أكبر في العمل القضائي.
وردًا على تساؤل حول ما إذا كان نظام التقاضي الإلكتروني يصلح لكل القضايا في كل المحاكم أم لا؟، يؤكد رئيس محكمة استئناف القاهرة السابق، أن نظام التقاضي الإلكتروني لا يصلح لكل القضايا في المحاكم، فهو مهم جدًا ومفيد ويصلح في القضايا بالمحاكم الجنائية والاقتصادية والمدنية، لكنه لا يصلح في القضايا المتعلقة بمحكمة الأسرة، لأن قضايا الأسرة تحتاج لأن يلتقي القاضي بالخصوم في القضية حتى يحقق العدالة في هذه القضايا.