رئيس التحرير
خالد مهران

بعد مقتل «خُط العفادرة».. أسرار صناعة «خُط الصعيد» في محافظات الجنوب

أسرار صناعة «خُط
أسرار صناعة «خُط الصعيد» في محافظات الجنوب

600 ضابط ومجند شاركوا فى تصفية «خُط العفادرة» وأعوانه بمعركة استمرت 3 أيام

الداخلية: ضبط أسلحة «RPG» و«جرينوف» وقنابل «F1» بحوزة «خُط العفادرة» ورجاله

الخُط قبل تصفيته: أنا لا أخاف ولا أخشى إلا الله.. ويعلم الله أننا أبرياء من أى تُهم موجهة إلينا

مساعد وزير الداخلية الأسبق: تجريم شخص فى جريمة واحدة تحوله لإنسان فاقد

اللواء محمد صادق: فكرة تلفيق الجرائم التى تحدث عنها «الخُط» غير منطقية بالمرة

أستاذ اجتماع: من يتعاطف مع «خُط الصعيد الجديد» أو أى مُجرم ليس عاقلًا

 

معركة دامية بطلها محمد محسوب الجعيدي «خُط الصعيد الجديد» -كما أطلق على نفسه- تحدى خلالها قوات الشرطة على مدار نحو 3 أيام، وحول قرية العفادرة بمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط -معقله- إلى ساحة حرب، شهدت اشتباكات عنيفة بينه وأعوانه ورجال الأمن، وأسفرت عن تصفيته وبعض أعوانه، وبثت الرعب في نفوس أهالي قريته، لاسيَّما وأنه هدد بإطلاق مواد سامة في الجو عبر بث مباشر على حسابه بـ«فيسبوك»، في أول أيام المواجهة بينه وبين قوات الشرطة.

حالة الرعب التي تسبب بها «محسوب» لم تمنع كثيرين من التعاطف معه عبر البث المباشر، بعدما اتهم خلاله بعض رجال الشرطة بتلفيق التهم له، واستدعت تلك القصة إلى الأذهان حكاية «خط الصعيد» عزت حنفي، ورأى الجميع أن «خُط العفادرة» يسير على خطاه، فكيف بدأت قصة «الخُط الجديد»؟ وما سر تعاطف الكثيرين معه وأمثاله؟

شرارة المعركة

السبت 15 فبراير الجاري، توقيت بدء المواجهة بين «محسوب» وقوات الأمن، جراء تدخلها لفض نزاع مسلح بين عائلة «خُط العفادرة» وعائلة «عليوة» بالقرية، إلا أنه بدأ وأعوانه بإطلاق النار على رجال الشرطة، والتي لم تقتصر على رصاص البنادق الآلي، إلا أنه استخدم خلال مواجهته قنابل «F1» و«RPG»، والتي عثرت عليها الداخلية عقب انتهاء المعركة.

وزير الداخلية أمر بتشكيل قوة أمنية تجمع أكثر من 600 ضابط ومُجند، بقيادة كبار قادة الأمن بالوزارة، بعدما أُخطر من مدير أمن أسيوط اللواء وائل نصار، بما جرى.

وعلى مدار 60 ساعة وصفها البعض بأنها الأسود في تاريخ القرية، طوق خلالها رجال الأمن القرية، وأغلقت مداخلها ومخارجها، استمر تبادل إطلاق النار بين «الخُط» ورجال الشرطة، بعدما حاصرت قوات الأمن القرية، انقطع خلالها التيار الكهربائي عن القرية و3 قرى مجاورة.

حصدت تلك الاشتباكات، التي استمرت حتى ظهر الإثنين 17 فبراير الجاري، أرواح 7 من أعوان «محسوب»، بينهم نجله وشقيقه، إلا أنه ظل صامدًا حتى تمكنت قوات الشرطة من تصفيته في نهايتها، والتي أسفرت -أيضًا- عن مقتل بعض عناصر الشرطة، وسقوط جرحى بين الطرفين.

جرائم وأحكام

«خُط الصعيد الجديد» المدعو محمد محسوب إبراهيم أحمد، تزعم بؤرة إجرامية، ضمت 8 عناصر شديدة الخطورة، عملوا على جلب المواد المُخدرة والأسلحة والذخيرة غير المُرخصة وفرض السيطرة وترويع الأهالي بدائرة مركز شرطة ساحل سليم، وفقًا لبيان وزارة الداخلية الصادرة، مساء الإثنين 17 فبراير.

44 جناية مطلوب فيها «الخُط» ما بين مخدرات وقتل وسلاح وسرقة بالإكراه وحريق عمدي وإتلاف، ومحكوم عليه بالسجن والسجن المؤبد بمدد بلغت 191 سنة، على غرار زعيمهم عناصر عصابته محكوم عليهم بالسجن والسجن المؤبد في جنايات قتل وشروع في قتل ومخدرات وسلاح وسرقة بالإكراه أحدهم بلغت مدد سجنه 108 سنوات.

«محسوب» وأعوانه اعتادوا الاختباء بالمناطق الجبلية، وكانوا يترددون في أوقاتٍ متباينة على المبنى الذي دشنوه وحصنوه بخنادق ودُشم بقرية العفادرة، التي شهدت المعركة، حسب الداخلية.

تحريات الأمن العام، وأجهزة الأمن الجنائي بمديرية أمن أسيوط، تأكدت من معلومات واردة، بجلب البؤرة الإجرامية التي يتزعمها «خُط الصعيد الجديد»، لمواد مخدرة وأسلحة والذخائر غير المرخصة وفرض السيطرة وترويع الأهالي بدائرة مركز شرطة ساحل سليم بأسيوط.

واستهدف رجال الأمن بمشاركة الأمن المركزي -عقب تقنين الإجراءات- وكر البؤرة الإجرامية، التي بادرت بإطلاق النيران تجاه القوات، مستخدمين «RPG» وقنابل «F1» والبنادق الآلية، بخلاف تفجير أسطوانات غاز للحيلولة دون تمكين القوات من دخول المبنى.

وأسفر التعامل عن مصرعهم وإصابة ضابط شرطة من قوة قطاع الأمن المركزى، وتم ضبط كمية كبيرة من المواد المخدرة المتنوعة، وعدد كبير من الأسلحة النارية «RPG» و2 جرينوف، و73 بندقية آلية، ورشاش متعدد، و11 بندقية خرطوش، و62 فرد محلي، و8 قنابل «F1» وعدد كبير من الطلقات النارية مختلفة الأعيرة، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية، حسبما أفاد بيان الداخلية.

إسدال الداخلية الستار على حكاية «خُط العفادرة» بمقتله، لم يطو صفحاتها، لاسيَّما وأن «محسوب»، سطر قبل تصفيته في تلك المعركة فصلًا جديدًا بها، بعدما زعم أنه مظلوم واتهم خلال بث مباشر عبر حسابه على «فيسبوك» عدد من رجال الشرطة ذكر أسماءهم، بأنهم تجنوا عليه ولفقوا له التهم.

مطارد منذ 23 عاما

«إن الظلم الذي وقع علينا من ضباط فاسدين بوزارة الداخلية لا يليق بوزارة عريقة مثلها، هناك بعض ضباط ورؤساء المباحث الفاسدين يشعلون الفتن بين العائلات لجمع المال الملوث بدماء الأبرياء وهذا ما وقع علينا»، بلُغة تبدو فصيحة ظهر محمد محسوب عبر البث المباشر، متهمًا بعض الضباط بالفساد وتلفيق التهم له.

وزعم «خُط الصعيد الجديد» البالغ من العُمر 43 عامًا أن أول قضية أُدين فيها قبل 23 عامًا، كانت مُلفقة على يد عُمدة قريته ومن اتفق معه بتسليم بندقية بعد خلاف «عادي» أي لم تُزهق فيه أرواح -حسب وصفه- إلا أنه تفاجأ بتحريز البندقية في منزله، وعمل قضية ضده وحُكم عليه فيها 3 سنوات، ومنذ ذلك الحين وهو مُطارد.

«الخُط» يتهم الشرطة

اتهامات بالرشاوى وقتل الأبرياء واستغلال المناصب وتجنيد أفراد العائلة صاحبة الخلاف معه، ضده للإرشاد لصالح الشرطة، وجهها «محسوب» إلى بعض رجال المباحث والضباط، ذاكرًا أسماءهم، وقال إنه تقدم بالعديد من الشكاوى إلى مجلس الوزراء، وقال إنه أطلع الوزارة عليها إلا أنها لم تستجب ولم تحقق في شكواه التي اتهم فيها بعض الضباط بالفساد وتلفيق التُهم له.

اللواء محمد صادق 

لم تقف اتهامات «خُط العفادرة» عند هذا الحد، حيث زعم أن رجال المباحث والشرطة الذين اتهمهم قتلوا نحو 100 شخص من أفضل شباب الصعيد، مُشيرًا إلى أن تلفيق تهمة من أحد رؤساء النيابة لأحد الأشخاص ذكر اسمه وكان معه بالسجن، وأنه يمتلك مقطع فيديو يظهر خلاله المذكور يحكي ما حدث معه، وادعى أنه نشره أكثر من مرة عبر حساباته على «فيسبوك»، إلا أن بعض الضباط الفاسدين في وزارة الداخلية حذفوه -حسب وصفه-.

تهديد بالانتقام

وناشد أهل القرية بالابتعاد عن أماكن تواجد قوات الشرطة؛ لوجود مواد سامة في الرياح -في إشارة منه إلى إطلاق أسلحة كيميائية- حسبما فسر البعض، في حال تعدت الشرطة عليه وعلى أفراد أسرته المكونة من 14 طفلا وامرأة سينتقم منهم، قائلًا: «أنا لا أخاف ولا أخشى إلا الله، ويعلم الله أننا أبرياء من أي تُهم موجهة إلينا، ومن يأتي بمشكلة واحدة ضدي أنا وأخي بحق ما يحكم به المسؤولين علي سأنفذه».

تحدى «محسوب» رجال الشرطة والداخلية عبر مقاطع الفيديو الذي ظهر فيها عبر صفحته، بأنه لن يُغادر منزله وسيظل بداخله للدفاع عن أسرته وأطفاله حتى الموت، بدعوى أنه يواجه كل ظالم ومُتكبر باسم السُلطة، وأنه لن يُحاسب على شيء لم يفعله، وهدد بالانتقام في حال تم الاعتداء على أهل بيته ونجاه الله -حسب وصفه-.

ووجه «خُط العفادرة» رسالة إلى وزير الداخلية، بأنه يحَمِّله الدماء التي تسيل من قوات الشرطة ومن أهل بيته، بزعم أن هناك فاسدين يستخدمون مناصبهم للتجارة بدماء الشعب، وطالبها بالتحقق من كلامه، مُتهمًا أفراد العائلة التي له خلاف معها أنهم يعملون لصالح بعض رجال الشرطة، ما جعل رجال الشرطة تتعنت ضده وتصطف معهم.

مجرم فاقد

«تجريم شخص في جريمة واحدة حتى، يستشعر منها أنه سيقضي فترة كبيرة من عمره بالسجن تحوله لإنسان فاقد»، حسبما يوضح الخبير الأمني ومساعد وزير الداخلية الأسبق اللواء محمود زاهر، في حديثه مع «النبأ».

ويُضيف، أن ذلك التحول يدفعه إلى القيام بتصرفات للدفاع عن النفس وإثبات وجوده وكلها أحيانًا تكون تصرفات يُريد بها استجداء عطف الناس، فتخرج في صورة خاطئة وتتحول لجريمة أخرى.

«محسوب» معه شبه الحق بشأن ادعاءاته بتلفيق التُهم إليه من قِبل بعض الضُباط الفاسدين، مُرجعًا رأيه إلى كبر عدد التهم الموجهة إليه والتي تداول الإعلام أنها بلغت 1200 تهمة، فهذا لا يحدث إلا في بلد تعيش في مجاهل الزمن دون شرطة ولا أمن ولا أمان، ما يُعني أن الأمر غير منطقي، وهذا لا يُلغي وجود جريمة، وعليه يجب أن يتم النظر إلى الدوافع التي تؤدي إلى القيام بالجرائم للدرجة التي تحول شخص إلى «خُط» أو «سفاح»، حسبما يرى اللواء محمود زاهر.

ويختتم «زاهر»، حديثه في هذا الشأن، بالتشديد على عدم المبالغة في الأمور، وأخذ القانون والقضاء في حدوده، لاسيَّما وأنه في أحايين كثيرة اهتمام الإعلام بالحدث يُعطيه أكبر من حجمه، مُستنكرًا كيف يتم ترك مجرم وله أعوان يرتكب191 جريمة، ولم يتم القبض عليه، على مدار الفترة التي ارتكب فيها جرائمه.

ادعاءات غير منطقية

بينما يرى الخبير الأمني ومساعد وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد صادق، أن فكرة تلفيق الجرائم التي تحدث عنها خُط العفادرة، غير منطقية بالمرة، لاسيَّما وأنه أُدين في 44 قضية بأحكام بلغت 191 سنة سجن، مُستنكرًا: «فهل كل المحاكم التي حكمت عليه ظلمته! هل كل الضباط والناس الذين مروا عليه لفقوا له التُهم!».

ويُشير، إلى أن الإشارة إلى عدم منطقية تلك الاداعات، لا يُعني أننا نُنكر أن هناك سلبيات لدى بعض رجال الشرطة.

المجرم لو ارتكب ألف جريمة قتل، لا يُمكن أن ينعت نفسه بالقاتل، إلا أنه سيجد لنفسه مُبررات والتي أوجدها أثناء ارتكاب تلك الجرائم، ولن يعترف أبدًا بخطأه، خصوصًا وإن كان تمادى في ارتكاب جرائم كثيرة بالشكل الذي وصل إليه «خُط العفادرة» للدرجة التي أصبحت الجريمة بالنسبة له عملية سهلة، وبالتالي يبدأ في زعم أنه مظلوم ولُفقت له القضايا، ومثل هذه الادعاءات الباطلة التي يأتيها كل المجرمين وهي ثابتة في كل الأزمنة، حسبما يرى أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية الدكتور طه أبوحسين، في حديثه مع «النبأ».

ويُضيف، أنه لا يعنينا تبرئة «الخُط» أو أي مُجرم لنفسه، ولكن ما يعنينا هو حُكم القضاء عليه، والواقع الذي ارتكب فيه الجرائم، حتى وإن كان صاحب حق، ليس من حقه أن يأخذه بيده، وإلا ستتحول المسألة إلى غابة ومُبارزات دامية تقضي على المجتمع وتحوله إلى ساحة دموية لا طائل من ورائها سوى الدماء والخراب.

خُط النخيلة

ما فعله «الخُط الجديد» استدعى إلى الأذهان قصة عزت حنفي «خُط الصعيد» ابن قرية النخيلة بمحافظة أسيوط أيضًا، والتي تشابهت كثيرًا مع «محسوب».

قصة سقوط عزت حنفي في 2004، بدأت بعد نزاع بين عائلته وعائلة أخرى أيضًا، أسفرت عن مقتل 5 أشخاص بجزيرة «النخيلة»، وحاصرت قوات الشرطة على إثره الجزيرة لمدة 7 أيام، إلا أن «حنفي» احتجز عددًا من الرهائن، لإجبار رجال الشرطة على عدم التعامل معه.

وفي مارس 2004، اقتحمت قوات الشرطة المكونة من 3 آلاف جندي من القوات الخاصة، الجزيرة، مستخدمة 50 سيارة مدرعة و60 زورق نهري، وتفاجأت بأن «خط الصعيد» دشن حصونًا منيعة بجميع أنحائها، وتنوعت بين الأبراج بارتفاع خمسة طوابق، ودُشم من الطوب اللبن، الذى لا تستطيع طلقات الرصاص اختراقه، وحفروا عدة خنادق تحت الأرض للاحتماء بها أثناء مواجهة قوات الشرطة خلال تبادل إطلاق النار.

واستخدم عزت حنفي وأعوانه، أسطوانات الغاز أيضًا، والتي ثبتوها على الأسوار وجذوع النخيل، استعدادًا لتفجيرها في حال اقتحمت قوات الشرطة الجزيرة، كما وزعوا أسلاك شائكة بالنيل لإعاقة الزوارق النهرية من الوصول إليهم.

وأما عن الأسلحة التي امتلكها «خُط الصعيد» فتنوعت بين البنادق الخرطوش والآلية والمسدسات، ومدافع جرينوف، وتمكنت قوات الأمن -آنذاك- من القبض على عزت حنفي و77 من أفراد عصابته، وقدمتهم للمحاكمة، وأُسدل الستار على حكايته بتنفيذ حُكم الإعدام بحقه في 18 يونيو 2006.

طبيعة الحياة الخشنة في الصعيد عن المُدن ومحافظات الوجه البحري، سببًا في استحواذ، الجنوب على تفريخ نموذج «الخُط» الذي يظهر بين الحين والآخر؛ لاسيَّما وأن تلك الطبيعة تجعل أهل الصعيد يميلون دائمًا إلى العُنف، فضلًا عن الطبيعة القبلية التي يعجبها النموذج القوي والمُسيطر، حسبما يعتقد اللواء محمد صادق.

تعاطف وتمجيد

لم تكن الاتهامات التي وجهها «خُط العفادرة» إلى بعض الضباط ورجال المباحث، الفصل الأوحد الجديد الذي سطره في حكايته، إلا أنه تعاطف قطاع كبير من المصريين معه يُمثل فصلًا جديدًا أيضًا، فما أن ظهر «محسوب» في بثوثه المباشرة مُرددًا مزاعمه ومرددًا أنه مظلوم، انهالت عليه التعليقات بالدعاء له، بالنصر المُبين.

اللواء محمود زاهر 

لم يقف التعاطف مع «الخُط الجديد» عند الدعاء له وحسب، إلا أنه امتد إلى تمجيد البعض له، لأنه تصدى للفساد والظلم -حسب اعتقادهم- ونعته بعضهم بـ«الدولة»، ووصفه آخرون بأنه رجل في زمن قَلَّ فيه الرجال، في حين نصحه آخرون، بالاستعانة بأهل قريته، ويمنعهم من غلق أبواب وشبابيك منازلهم، ويخروجون جميعًا رجالًا وأطفالًا في وجه الظلم والفساد.

التعاطف الذي ناله «محسوب» حصده من قبله «حنفي- خُط النخيلة»، والذي اعتبره الكثيرون أنه أحد الأبطال، الذين وقفوا في وجه الشرطة، ذلك التعاطف مع مثل تلك النماذج الخارجة عن القانون، يُثير تساؤل حول سر التعاطف مع مثل هؤلاء؟.

المواطن المصري لديه استعداد إلى التعاطف مع الخارج عن القانون؛ لكونه مشحون ضد النظام والحكومة بشكلٍ دائم، وبالتالي أذنه تكون مفتوحة للتعاطف مع كل من خالف القانون، وهذا أحد أهم دوافع تعاطف الكثيرين مع «خُط العفادرة» أو أي مُجرم، من وجهة نظر الخبير الأمني ومساعد وزير الداخلية اللواء محمد صادق في حديثه مع «النبأ».

ويُضيف، أن التعاطف مع نموذج «أدهم الشرقاوي» الذي يعتبره الناس بطلًا، أحد سمات المصريين منذ زمن بعيد، رغم أنه مُسجل خطر، إلا أن الناس حولته لأسطورة وادعت أنه كان يقاوم الظلم والاحتلال، والتعاطف في هذه الحالة يأتي من أن المواطن يستشعر أنه مظلوم وأن هذا النموذج يصطدم بالحكومة والنظام وبالتالي يأخذ حقه منهما، فيعتقد أن المجرم الذي يرتكب الجرائم يُخلص له ثأره، وهذا فيه إسقاط.

«خُط العفادرة» وأمثاله، يحاطون دائما بأصحاب المصالح معهم، وفئة تتمثل بالمُجرمين وهم المُستفيدون منه هم أعوانه، ما يجعلهم يتعاطفون معه من منطلق المصلحة، في حين يتعاطف آخرون معه من مُنطلق السطوة، لأن الخُط له سطوة وهيبة والكثيرون يحسبون له حساب، وفقًا لـ«صادق».

ويختتم اللواء محمد صادق حديثه في هذا الشأن، موضحًا أن النشر الخاطئ، كأن يتم الترويج لفكرة أنه تم تلفيق القضايا له، كما فعل «خُط العفادرة»، يُحدث حالة من التعاطف أيضًا مع المُجرم، على الرغم من أنه المُفترض ألا يكون هناك أية تعاطف مع المجرمين؛ لأن الجريمة جريمة، لاسيَّما وأننا نواجه كارثة كبيرة بعد انتشار السوشيال ميديا تتمثل في المعلومات التي يتم تداولها خلالها، والتي يكون مُعظمها شائعات مُغرضة وله أهداف غير الأهداف التي نُشرت من أجلها.

تهديد لكيان المجتمع

من يتعاطف مع «خُط الصعيد الجديد»، أو أي مُجرم، ليس عاقلًا وليس لديه بُعد نظر، خصوصًا وأنه ارتكب جرائم بين اتجار بالمخدارات والسلاح وقتل وسرقة وغيره، جميعها تُهدد كيان المُجتمع وتُولد به شريحة تُشكل مدى ثقافي مؤلم وقاتل ومُميت ويمثل خطورة كبيرة عليه، حسبما يوضح الدكتور طه أبوحسين.

الدكتور طه أبوحسين 

ويرى أن المُتعاطف مع هذا المُجرم وأمثاله، يفعل ذلك لأنه لم يمسسه منه سوء ولم يمسه عداون هذا المُجرم العاتي، مُتسائلًا: «هل إذا أحد ضحايا هذا المُجرم يخص أحد المُتعاطفين، هل كان سيُبدي أي تعاطف معه!».

ويختتم أستاذ علم الاجتماع حديثه في هذا الشأن، قائلًا: «كنت أتمنى أن تنأى قوات الشرطة بالعملية عن التداول الإعلامي بالصورة التي ظهرت عليه، تجنبًا لحالة التعاطف التي تولدت عن ذلك التناول».